ففي هذه الأخبار إباحة الكي للداء المذكور فيها وفي الآثار الأول النهي عن الكي فاحتمل أن يكون المعنى الذي كانت له الإباحة في هذه الآثار غير المعنى الذي كان له النهي في الآثار الأول وذلك أن قوما كانوا يكتوون قبل نزول البلاء بهم يرون أن ذلك يمنع البلاء أن ينزل بهم كما فعل الأعاجم فهذا مكروه لأنه ليس على طريق العلاج وهو شرك لأنهم يفعلونه ليدفع قدر الله عنهم فأما ما كان بعد نزول البلاء إنما يراد به الصلاح والعلاج مباح مأمور وقد بين ذلك جابر بن عبد الله في حديث رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عامر العقدي وابن مرزوق قالا ثنا عبد الرحمن بن سليمان عن عاصم بن عمر عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن يكن في شئ من أدويتكم هذه خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة نار توافق داء وما أحب أن أكتوي فإذا كان في هذا الحديث أن لذعة النار التي توافق الداء مباحة والكي مكروه وكانت اللذعة بالنار كية ثبت أن الكي الذي وافق الداء مباح وأن الكي الذي لا يوافق الداء مكروه ويحتمل أن يكون الكي منهيا عنه على ما في الآثار الأول ثم أبيح بعد ذلك على ما في هذه الآثار الاخر وذلك أن بن أبي داود حدثنا قال ثنا خطاب بن عثمان قال ثنا إسماعيل بن عياش عن سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن في الكي فقال لا تكتو فقال يا رسول الله بلغ بي الجهد ولا أجد بدا من أن أكتوي قال ما شئت أما إنه ليس من جرح إلا وهو آتي الله يوم القيامة يدمي يشكو الألم الذي كان سببه وأن جرح الكي يأتي يوم القيامة يذكر أن سببه كان من كراهة لقاء الله ثم أمره أن يكتوي ففي هذا الحديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي وإباحته إياه بعد ذلك فاحتمل أن يكون ما في الآثار الأول كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال النهي المذكور في هذا الحديث وما كان من الإباحة في الآثار الاخر كان بعد ما كانت منه الإباحة المذكورة في هذا الحديث فتكون الإباحة ناسخة للنهي وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كوى سارقا بعدما قطعه حدثنا ابن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا أبو بكر بن علي قال ثنا الحجاج بن أرطأة عن مكحول عن ابن محيريز قال قلت لفضالة بن عبد أمن السنة أن يقطع السارق ويعلق في عنقه
(٣٢٢)