قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الخمر من التمر والعنب جميعا واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا الخمر المحرمة في كتاب الله تعالى هي الخمر التي من عصير العنب إذا نش العصير وألقى بالزبد هكذا كان أبو حنيفة رحمه الله يقول وقال أبو يوسف رحمه الله إذا نش وإن لم يلق بالزبد فقد صار خمرا وليس الحديث الذي رويناه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أول هذا الباب بخلاف ذلك عندنا لأنه يحتمل أن يكون أراد بقوله الخمر من هاتين الشجرتين إحداهما فعمهما بالخطاب وأراد إحداهما دون الأخرى كما قال الله عز وجل يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وإنما يخرج من أحدهما وكما قال يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم والرسل من الانس لا من الجن وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت إذ أخذ على أصحابه في البيعة كما أخذ على النساء أن لا تشركوا ولا تسرقوا ولا تزنوا ثم قال من أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له حدثنا بذلك يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن أبي إدريس عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد علمنا من أشرك فعوقب بشركه فليس ذلك بكفارة فدل ما ذكرنا أنه إنما أراد ما سوى الشرك مما ذر في هذا الحديث فلما كانت هذه الأشياء قد جاءت ظاهرها على الجمع وباطنها على خاص من ذلك احتمل أيضا أن يكون قوله الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة ظاهر ذلك عليهما وباطنه على أحدهما فيكون الخمر المقصود في ذلك من العنبة لا من النخلة ويحتمل أيضا قوله الخمر من هاتين الشجرتين أن يكون عني به الشجرتين جميعا ويكون ما خمر من ثمرهما خمرا كما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد فيما ينفع من الزبيب والتمر فجعلوه خمرا ويحتمل قوله الخمر من هاتين الشجرتين أن يكون أراد الخمر منهما وإن كانت مختلفة على أنها من العنب ما قد علمناه من الخمر وعلى أنها من التمر ما يسكر فيكون خمر العنب هي عين العصير إذا اشتد وخمر التمر هو المقدار من نبيذ التمر الذي يسكر فلما احتمل هذا الحديث هذه الوجوه التي ذكرنا لم يكن أحدها بأولى من بقيتها ولم يكن لمتأول أن يتأوله على أحدهما إلا كان لخصمه أن يتأوله على ذلك
(٢١٢)