وقالوا أما ما رويتموه في حديث العرنيين فذلك إنما كان للضرورة فليس في ذلك دليل أنه مباح في غير الضرورة لأنا قد رأينا أشياء أبيحت في الضرورات ولم تبح في غير الضرورات ورويت فيها الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أنا همام ح وحدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال ثنا الحجاج بن المنهال قال ثنا همام قال أنا قتادة عن أنس رضي الله عنه أن الزبير وعبد الرحمن بن عوف شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم القمل فرخص لهما في قميص الحرير في غزاة لهما قال أنس رضي الله عنه فرأيت على كل واحد منهما قميصا من حرير فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباح الحرير لمن أباح له اللبس من الرجال للحكة التي كانت بمن أباح ذلك له فكان ذلك من علاجها ولم يكن في إباحته ذلك لهم للعلة التي كانت بهم ما يدل أن ذلك مباح في غير تلك العلة فكذلك أيضا ما أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم للعرنيين للعلل التي كانت بهم فليس في إباحة ذلك لهم دليل أن ذلك مباح في غير تلك العلل ولم يكن في تحريم لبس الحرير ما ينفي أن يكون حلالا في حال الضرورة ولا أنه علاج من بعض العلل وكذلك حرمه البول في غير حال الضرورة ليس فيه دليل أنه حرام في حال الضرورة فثبت بذلك أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر إنه داء وليس بشفاء إنما هو لأنهم كانوا يستشفون بها لأنها خمر فذلك حرام وكذلك معنى قول عبد الله عندنا إن الله عز وجل لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم إنما هو لما كانوا يفعلون بالخمر لإعظامهم إياها ولأنهم كانوا يعدونها شفاء في نفسها فقال لهم إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم فهذه وجوه هذه الآثار فلما احتملت ما ذكرنا ولم يكن فيها دليل على طهارة الأبوال احتجنا أن نرجع فنلتمس ذلك من طريق النظر فنعلم كيف حكمه فنظرنا في ذلك فإذا لحوم بني آدم كل قد أجمع أنها لحوم طاهرة وأن أبوالهم حرام نجسة فكانت أبوالهم باتفاقهم محكوما لها بحكم دمائهم لا بحكم لحومهم
(١٠٩)