فأردنا أن ننظر فيما روي في ذلك كيف معناه فإذا عبد الرحمن بن القاسم قد روى عن أبيه في المستحاضة التي استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختلف عن عبد الرحمن في ذلك فروى الثوري عنه عن أبيه عن زينب بنت جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك وأن تدع الصلاة أيام أقرائها ورواه بن عيينة عن عبد الرحمن أيضا عن أبيه ولم يذكر زينب إلا أنه وافق الثوري في معنى متن الحديث فكان ذلك على الجمع بين كل صلاتين بغسل في أيام الاستحاضة خاصة فثبت بذلك أن أيام الحيض كان موضعها معروفا ثم جاء شعبة فرواه عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها كما رواه الثوري وابن عيينة غير أنه لم يذكر أيام الأقراء وتابعه على ذلك محمد بن إسحاق فلما روى هذا الحديث كما ذكرنا فاختلفوا فيه كشفناه لنعلم من أين جاء الاختلاف فكان ذكر أيام الأقراء في حديث القاسم عن زينب وليس ذلك في حديثه عن عائشة فوجب أن يجعل روايته عن زينب غير روايته عن عائشة رضي الله عنها فكان حديث زينب الذي فيه ذكر الأقراء حديثا منقطعا لا يثبته أهل الخبر لأنهم لا يحتجون بالمنقطع وإنما جاء انقطاعه لان زينب لم يدركها القاسم ولم يولد في زمنها لأنها توفيت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي أول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفاة بعده وكان حديث عائشة رضي الله عنها هو الذي ليس فيه ذكر الأقراء إنما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تجمع بين الصلاتين بغسل على ما في ذلك الحديث ولم يبين أي مستحاضة هي فقد وجدنا استحاضة قد تكون على معاني مختلفة فمنها أن يكون مستحاضة قد استمر بها الدم وأيام حيضها معروفة لها فسبيلها أن تدع الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل وتتوضأ بعد ذلك ومنها أن يكون مستحاضة لان دمها قد استمر بها فلا ينقطع عنها وأيام حيضها قد خفيت عليها فسبيلها أن تغتسل لكل صلاة لأنها لا يأتي عليها وقت إلا احتمل أن تكون فيه حائضا أو طاهرا من حيض أو مستحاضة فيحتاط لها فتؤمر بالغسل ومنها أن تكون مستحاضة قد خفيت عليها أيام حيضها ودمها غير مستمر بها ينقطع ساعة ويعود بعد ذلك هكذا هي في أيامها كلها فتكون قد أحاط علمها أنها في وقت انقطاع دمها إذا اغتسلت حينئذ غير طاهر من حيض طهرا يوجب عليها غسلا
(١٠٤)