فادعى في الحديث الأول أنه شهدها وأنكر ذلك في الحديث الآخر وتصحيحه الخبرين عنه فكيف يصح هذا عن بن مسعود مع ثاقب فهمه وبارع علمه وتقدمه في السنة الذين انتهى إليهم العلم بها واقتدت بهم الأمة مع خاصته برسول الله صلى الله عليه وسلم ولطف محله وكيف يجوز عليه أن يقر بالكذب هذا الاقرار فيقول اليوم شهدت ويقول غدا لم أشهد ولو جهد عدوه أن يبلغ منه ما بلغه من نفسه ما قدر ولو كان به خبل أو عته أو آفة ما زاد على ما وسم به نفسه وأصحاب الحديث لا يثبتون حديث الزط وما ذكر من حضوره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وهم القدوة عندنا في المعرفة بصحيح الاخبار وسقيمها لأنهم أهلها والمعتنون بها وكل ذي صناعة أولى بصناعته غير أنا لا نشك في بطلان أحد الخبرين لأنه لا يجوز على عبد الله بن مسعود أنه يخبر الناس عن نفسه بأنه قد كذب ولا يسقط عندهم مرتبته ولو فعل ذلك لقيل له فلم خيرتنا أمس بأنك شهدت فإن كان الامر على ما قال أصحاب الحديث فقد سقط الخبر الأول وإن كان الحديثان جميعا صحيحين فلا أرى الناقل للخبر الثاني إلا وقد أسقط منه حرفا وهو غيري يدلك على ذلك أنه قال قيل له أكنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فقال ما شهدها أحد منا غيري فأغفل الراوي غيري إما بأنه لم يسمعه أو بأنه سمعه فنسيه أو بأن الناقل عنه أسقطه وهذا وأشباهه قد يقع ولا يؤمن ومما يدل على ذلك أنه قال له هل كنت
(٣٦)