ثم إن القوم تهيئوا للخروج فأتى عبد الله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعه فقال:
يثبت الله ما آتاك من حسن * تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا انى تفرست فيك الخير نافلة * فراسة خالفتهم في الذي نظروا أنت الرسول فمن يحرم نوافله * والوجه منه فقد أزرى به القدر ثم خرج القوم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يشيعهم حتى إذا ودعهم وانصرف عنهم قال عبد الله بن رواحة:
خلف السلام على امرئ ودعته * في النخل غير مودع وكليل ثم مضوا حتى نزلوا معان من أرض الشام فبلغهم أن هرقل في مآب من أرض البلقاء في مائة الف من الروم وقد اجتمعت إليه المستعربة من لخم وجذام وبلقين وبهرام وبلى في مائة ألف عليهم رجل يلي أخذ رايتهم يقال له ملك بن زانة فلما بلغ ذلك المسلمين قاموا بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا فاما أن يمدنا وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له فشجع عبد الله بن رواحة الناس وقال يا قوم والله ان الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين اما ظهور واما شهادة، قال عبد الله بن رواحة في مقامهم ذلك قال ابن إسحاق كما حدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم قال كنت يتيما لعبد الله بن رواحة في حجره فخرج في سفرته تلك مرد في علي حقيبة (1) راحلته ووالله انا لنسير ليلة إذ سمعته يتمثل ببيته هذا:
إذا أديتني وحملت رحلي * مسيرة أربع بعد الحساء فلما سمعته منه بكيت فخفقني بالدرة وقال ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع من شعبتي الرحل ومضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مآب ثم دنا المسلمون وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة فالتقى