بسوء وهو أحكم الحاكمين. وأما ما ذكرت أنك تسقيني بكأس ابن الزبير إن أنا لم أستقم ولم أبايع، فإن ذلك ليس إليك ولا بيدك، إن لله تعالى في كل يوم ثلاثمائة لمحة يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويرفع ويضع، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وقد رجوت أن يلحقك بعض لمحاته فيرد عني كيدك وبغيك وظلمك، والسلام.
قال: فلما ورد كتاب محمد بن الحنفية على عبد الملك بن مروان غضب لذلك ثم استشار أهل الشام في قتله فكل أشار عليه بذلك، قال: واتقى ابن الحنفية وخشي أن يكتب إلى الحجاج فيأمره فيه بأمر ولم يجد من البيعة لعبد الملك بن مروان بدا فعزم على الكتاب إليه في ذلك.
قال: فدعا ابن الحنفية برجل من شيعته يكنى أبا عبد الله ويعرف بالجدلي، وكان من خيار شيعته، فكتب معه كتابا إلى عبد الملك بن مروان:
أما بعد، فإني لما رأيت هذه الأمة قد اختلفت نيتها وضيعت دينها وسفهت أحلامها ونبذت علم كتاب الله ربها وسفكت دماءها بغير حق، اعتزلتهم إلى البيت الحرام الذي من دخله كان آمنا لأمنع بذلك دمي من الجهال والضلال والظالمين وكل جبار عنيد لا يؤمن بيوم الحساب، وتركت الناس أشياعا وأحزابا، كل يعمل على شاكلته، والله يقضي بالحق، ويحكم يوم القيامة بين الخلق، فيجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى. وقد كان من رأيي ورأي من اتبعني واقتدى برأيي: أن لا نجتمع بأحد اختلف الناس عليه ولا نخالف أحدا اجتمع الناس له، قد رأينا أن قد اجتمع الناس لك، ونحن عصابة قليلون، وقد بعثنا إليك رسولا ليأخذ منك أمانا وعلى الوفاء لنا بذلك عهدا وثيقا، فإن أجبت إلى ذلك كنا إليك سراعا، وإن أبيت فأرض الله واسعة ولمن أتقى تكون العاقبة، وقد أردت بهذا الكتاب اتخاذ الحجة عليك، وفقنا الله وإياك لمراشد الأمور، والسلام.