ومن هنا اكتسحت المجتمع مفترياته، وقرئت على الناس مختلقاته، وحقق معاوية بمكره ودهائه المعروف ما أراده على كلا الصعيدين وذلك عبر جهتين: فهو من جهة أعلن على المنبر عن منع كل حديث لم يسمع به في عهد عمر (1)، ومن جهة أخرى عبأ الوضاعين وأكرم كل من يروي حديثا في فضائل عثمان وأصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) المناوئون لعلي (عليه السلام) وأكرمهم بالعطايا الجزيلة والهدايا الثمينة وحثهم على جعل الحديث ونقل الأكاذيب.
فكتب أبو الحسن المدائني (2) في كتابه الأحداث وثيقة تاريخية مهمة تحتوي على بيان حقائق حول كيفية منع الحديث وجعل الأحاديث المفترية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عهد معاوية، وننقل للقارئ مقتطفات من كلام المدائني، لما فيه الكفاية عن نقل سائر الشواهد الأخرى، وتجنبا عن الأطناب والإطالة.
المرسوم الأول: قال المدائني: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام المجاعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب - يعني الإمام علي - وأهل بيته - أي أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) -.
فقام الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاءا حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي (عليه السلام) فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي (عليه السلام) فقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها