وبناءا على هذه الأمور فلا يحق لأي أحد أن ينتقدها ويشجب أعمالها، خاصة بالنسبة إلى فتواها في قتل الخليفة: اقتلوا نعثلا فقد كفر (1)، إذ أنها حكمت على عثمان بالارتداد والتهور، فلذلك يجب إعدامه، وما كان أحد يتردد فيما قالته عائشة ورأته، أو يبدي معارضته لرأيها.
وبعد فترة من الزمن - وبعد أن تم العمل بفتوى عائشة بقتل عثمان - تغيرت الأمور على عكس هواها فنهضت ثائرة لدم عثمان - الذي أفتت بكفره بالأمس - وأعلنت حربا ضد أمير المؤمنين، واستنفرت الناس بفتواها الثانية التاريخية: ألا إن عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم (2).
وبعد هذا التضخيم لشخصية عائشة هل يجوز لأحد أن يتخلف عن فتواها ولا يقاتل الإمام علي (عليه السلام)؟
فهل يحق لأحد أن يشجب حكمها ويستنكر عليها بأنك بالأمس حكمت بارتداد عثمان وفرضت قتله واليوم تطالبين بثأره؟ و... و....؟
هذا العامل الذي ذكرناه ضمن دواعي جعل الأحاديث ونسبتها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس أمرا يمكن دركه وفهمه من خلال التأمل في الأحاديث المذكورة فحسب بل ثمة أحاديث أخرى تدل على ذلك - تضخيم دور عائشة - بوضوح وعيان، ولكي يتضح ذلك أكثر نذكر حديثين على سبيل المثال مما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما والترمذي في سننه:
1 - أخرج الصحيحان بإسنادهما عن عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) أنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورجلاي في قبلته - مزاحمة لسجدته - فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما (3).