الأحاديث المروية والمدونة في هذه الكتب رويت أيضا أحاديث صحيحة ولكنها قليلة جدا رواها المخلصون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحتى هذه الأحاديث اليسيرة الصحيحة كانت تزعج أولئك العلماء التابعين للخلفاء، ولكي يخرجوا أنفسهم من هذه الورطة ويحيلوا عن نشرها اتخذوا قرارين من جهتين:
أولا: من جهة علم الرجال والدراية فإنهم جرحوا كل شيعي ومحب لعلي (عليه السلام) بالضعف.
ثانيا: من جهة علم الرواية والحديث فدونوا كتبا وأسقطوا منها هذا النوع من الأحاديث وكذا الأحاديث التي تمس بشخصية الحكام والخلفاء بعد الرسول.
فسموا هذه الكتب المدونة على هذا الشكل والأسلوب بالصحيح، حتى بلغ عددها ستة، وكان حظ صحيح البخاري من حيث الاعتبار والوثوق أكثر من سائر الصحاح، لأن البخاري كان أكثر اعتقادا وتمسكا بالأصلين المذكورين، ولذا تراه يروي عن الخوارج، مثل: عمران بن حطان، ويدع رواية الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، وكذلك تراه يقتطع وينقص الأحاديث التي تمس بكرامة الخلفاء، وعلى هذا الأساس نرى أتباع إسلام الخلفاء يعتقدون بأن صحيح البخاري أصح كتاب بعد القرآن.
ومن بين كتب التاريخ والسير فهم يعتبرون تاريخ الطبري هو أثبت وأصح ما كتب في التاريخ، لأن الطبري انتهج في أسلوبه ما انتهجه البخاري من حيث التزامه بالأصلين المذكورين، فهو يترقب بأن لا يروي حديثا فيه ما يخدش هوية هذه الفئة من الصحابة الموثوقين عندهم، ويروي كل حديث مزور ليبرر المواقف الظالمة لبعض الصحابة والخلفاء.
ومن هذا المنطلق ترى الطبري يروي مئات الأحاديث التي دستها أيادي الزنادقة بحيث إنه أثبت القضايا والحوادث الواقعة في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) والخلفاء الأوائل مقلوبة ومعكوسة. ولما كان الطبري ملتزما ومقيدا للحفاظ على مصالح الخلفاء والصحابة الموثوقين عندهم حاز من العظمة والاحترام حتى سموه إمام المؤرخين، وإن الذين جاؤوا