يريد نفي كونه مدركا لغيره بنحو من الأنحاء الثلاثة. والبرهان عليه: أن كل ما له صورة مساوية لحقيقته فهو محتمل الشركة بين كثيرين، والله منزه عن المثل والشريك. ومما ورد في الحديث: " إن الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار ". (1) " وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما أنتم تطلبونه ". (2) ثم المدرك بالحس لا يخلو من حيز ومقدار، وإليه أشار بقوله: (ولا يحيط به مقدار)؛ لتنزهه عن الجسمية وما يكنفها.
قوله: (عجزت دونه العبارة).
أي تحتا من عزه، وعن دون من مجده، فضلا عنه وعن مرتبة جلاله.
أو بمعنى " عنده " وقريبا منه، وكذلك: (وكلت دونه الأبصار). والمراد الأبصار العقلانية فما ظنك به بالنسبة إلى الأبصار الجسمانية!؟
(وكلت دونه الأبصار).
بفتح الألف، أي قصرت دون وصفه عبارة البلغاء، وحسرت عن إدراكه أبصار البصراء.
قوله: (وضل فيه تصاريف الصفات).
أي ضل في طريق نعته نعوت الناعتين، وصفات الواصفين، بفنون تصاريفها، وأنحاء تعبيراتها، أي كلما حاولوا أن يصفوه بأجل ما عندهم من صور الصفات الكمالية، وأعلى ما في عقولهم من مفهومات النعوت الجمالية. فإذا نظروا إليه وحققوا أمره ظهر لهم أن ذلك دون وصف جلاله وإكرامه، وسوى نعوت جماله وإعظامه، ولم يصفوه بما هو وصفه، ولم ينعتوه كما هو حقه، بل رجع ذلك إلى وصف أمثالهم وأشباههم من الممكنات، كما في الحديث المشهور عن الباقر (عليه السلام):