فعجز لسان الوجدان عن احتمال ذلك العدوان والطغيان، وقامت قيامة العدل وسالت تعجيل يوم الفصل، ونكست (1) اعلام الاسلام، واظلمت أنوار الشرائع والاحكام، وغضب لسان حال المصحف الكريم، واعرض عن الاقبال على أهل الفعال الذميم.
حتى فزعوا من نهب السبايا وجعلوهم في اسراء الرزايا وقالوا: لابد من أن يداس (2) ظهر النبوة والرسالة، ويهان مقام الكرامة والجلالة، بأن توطئ حوافر الخيل لذلك الظهر المعظم، وبلغوا من الإلحاد ما لم يعرف قبله فيما تقدم، فوطئوا ظهرا كان لهم ظهرا ونصرا عند الملك الارحم والمالك الأعظم، وتركوا تلك الأجساد عارية والأعضاء على التراب بادية، وكم لتلك الأجساد والأعضاء من يد عليهم بخاتم الأنبياء وبما اسبقوا عليهم من النعماء.
وحملوا رؤوساء طالما رفعت رؤوس كل مسلم بعد وضعها، ووصلت الأسباب بينهم وبين الله بعد قطعها، وجعلوها على رماح يبكي لسان حالها من حملهم عليها، ويتطأطأ لهم رؤوس تلك الرمال، وتقبل الأرض بين يديها، وتعتذر بلسان حالها انها مقهورة على هذا الاعتداء بيد الأعداء، وتقول: طالما حملتموني بيد التكريم وسلكتم بي الصراط المستقيم، فان اليوم أحملكم لئلا تكونوا على التراب، وأرفعكم عن أن تنالكم يد بقايا الأحزاب، فطافت الملائكة بذاك الرأس الكريم حتى صار في موكب عظيم من التعظيم، وساروا بالحرم والنساء والصبيان على مطايا الكسر والذل والهوان.
فهل من باك يندب (3) على الاسلام والايمان، وهل من مواس لملوك الأزمان، وهل من شاك لكفران الاحسان، وهل من معين على النياحة (4) والعويل، وهل من جواد بالدمع على القتيل، وكيف يغني شق الجيوب عن شق القلوب لسفك دماء الا حبة