عرفوا انه قد غضب لأجل ما انتهت الحال إليه، فدعاهم القوم إلى ترك القتال والعدول عن الضلال، وحذروهم من عذاب الدنيا والآخرة، وذكروهم ما لله جل جلاله عليهم بمحمد رسوله صلوات الله عليه من الحقوق الباهرة.
فبدؤوا بقتل القوم الذين غضبوا لله واتفقوا على هدم أركان الملة، فلم يبق ملك ولا رسول ولا عبد له عند الله مقام وقبول الا وغضبوا مع الله جل جلاله لتلك الحال، واستعظموا ما بلغ إليه الأمر من الأهوال، ووقفوا على طريق الشهادة والقبول، يتلقون روح نائب الله جل جلاله وابن الرسول، وحضرت روح محمد وروح علي وفاطمة البتول وروح ابنها الحسن المسموم المقتول، يشاهد ما يجري على مهجة فؤادهم وقطعة أكبادهم، يندبون بلسان حالهم ويستغيثون لقتالهم.
وكلما رفع رأس من رؤوس أهل الشهادة كشف بلسان الحال لتلك الرؤوس رؤوس أهل السعادة مواساة في البلاء في مجلس العزاء، وكلما مزقت ثياب أهل الجهاد مزقت ثياب الاباء والأجداد، وكلما رمل (1) وجه من تلك الوجوه العزيزة بالرمال رملت لذلك وجوه أهل الاقبال، وكلما هتكت حرمة الله والرسول بكى لسان حال الاسلام وذوي العقول.
حتى فزع أهل الضلال من قتل الأحبة والملوك، الذين فرجوا عنهم وعن سلفهم كل كربة، وقصدوا لقتل ذرية محمد صلوات الله عليه وأولاده، فخرجوا إليهم صلوات الله عليهم، مشتاقين إلى لقاء الله جل جلاله وما دعاهم إليه من جهاده واتباع مراده فحاموا عن دينه الذي شرع أهل الضلال في زواله، وبذلوا نفوسهم في حفظ ناموسه واقباله، واستبدلوا دوام السعادة والبقاء بقتال أهل الشقاء.
حتى قتل المجاهدون من الأكابر والأصاغر، وارتجت فيها السماوات والأرضون لذلك الضلال الحاضر، فبقي مولانا الحسين صلوات الله عليه والحرم والأطفال الذين بين يديه، فلم ينظروا الا لتلك الوحدة والكسرة ونفوس من بقي من العترة، واقبلوا