كيف اشتبه هذا الحال عليكم مع ظهور حجته، لقد بلينا معشر فروع النبوة والرسالة بمنازعة أهل الضلالة والجهالة، وعقولهم شاهدة لنا بقيام الحجة عليهم وقلوبهم، عارفة بأننا أصحاب الاحسان إليهم، وكان يكفيهم ان يتذكروا ما ذكرناه، من أنهم كانوا عاكفين عبادة الأحجار والأخشاب ومفارقين لأولي الأبصار والألباب، والمشابهين للانعام والدواب، وأموات المعنى احياء الصورة، ومصائبهم عظيمة كبيرة فأحيينا بنبوتنا وهدايتنا منهم أرواحا ميتة بالغفلات، وجمعنا بينهم وبين عقول تائهة في مسافات الجهالات، وانطقنا منهم ألسنا خرسة بقيود الهدر، وانتجينا منهم خواطر كانت عقيمة بالحصا ومساوية للتراب والمدر، وأخرجناهم من مطامير الضلالة، وهديناهم إلى مالك الجلالة، وسقناهم بعصا الاعذار والانذار، وسقيناهم بكأس المبار والمسار، حتى خلصناهم من عار الاغترار واخطار عذاب النار، وأذعنت لنا ألبابهم اننا ملوكها، وان بنا استقام سبيلها وسلوكها.
فصاروا بعد هذا الرق الذي حكم لنا عليهم بالعبودية، منازعين لنا في شرف العنايات الإلهية والمقامات النبوية، إن كان القوم قد جحدوا وعاندوا فليردوا علينا ما دعوناهم إليه ودللناهم عليه، فليرجعوا إلى أصنامهم وقصور أحلامهم وفتور أفهامهم، فان الأحجار والأخشاب موجودة، وهي اربابهم التي كانت نواصيهم بها معقودة.
وتا لله لو كانوا قد أجابوا داعي نبوتنا في ابتدائه بغير قهر ولا هوان، لكان لهم بعض الفضل في فوائد الاسلام والايمان، ولكنهم أضاعوا كل حق كان يمكن ان يملكوه أو سبق كان يتهيأ لهم ان يدركوه، بأنهم ما أجابونا إلى نجاتهم من ضلالهم وخلاصهم من وبالهم الا بالقهر الذي أعراهم من الفضيلة بالكلية، وجعلها بأجمعها حقا للدعوة المحمدية والصفوة العلوية.
فصل (2) فيما نذكره من عمل أول ليلة المحرم اعلم أن المواساة لأئمة الزمان وأصحاب الاحسان في السرور والأحزان، من