فيه من قبل نفسه لأنه تشاغل بالكفر وترك الايمان وإنما كان يبطل تعلقنا بالسمع لو أضفنا ذلك إليه على وجه يقبح وذلك لانما قالوه إذا لم يؤثر في كون ما ذكرناه تكليفا لما لا يطاق لم يؤثر في نفى ما ألزمناه عنهم ولأنه يلزم على ذلك أن يفعل الكذب وسائر القبائح وتكون حسنة منه بأن يفعلها من وجه لا يقبح منه وليس قولهم إنا لم نضفه إليه من وجه يقبح بشئ يعتمد بل يجرى مجرى قول من جوز عليه تعالى الكذب ويكون الكذب منه تعالى حسنا ويدعى مع ذلك صحة معرفة السمع بأن يقول إنني لم أضف إليه تعالى قبيحا فيلزمني إفساد طريقة السمع فلما كان من ذكرناه لا عذر له في هذا الكلام لم يكن للمخالف في الاستطاعة عذر بمثله.. ونعود إلى تأويل الآي أما قوله تعالى (انظر كيف ضربوا) الآية فليس فيه ذكر للشئ الذي يقدرون عليه وبيان له وإنما كان يصح ما قالوه لو بين تعالى أنهم لا يستطيعون سبيلا إلى أمر معين فأما إذا لم يكن ذلك كذلك فلا متعلق لهم.. فان قيل فقد ذكر تعالى من قبل ضلالهم فيجب أن يكون المراد بقوله (فلا يستطيعون سبيلا) إلى مفارقة الضلال.. قلنا إنه تعالى كما ذكر الضلال فقد ذكر ضرب المثل فيجوز أن يريد أنهم لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من الأمثال إذ ذلك غير مقدور على الحقيقة ولا مستطاع والظاهر أن هذا الوجه أولى لأنه عز وجل حكى أنهم ضربوا له الأمثال وجعل ضلالهم وأنهم لا يستطيعون السبيل متعلقا بما تقدم ذكره وظاهر ذلك يوجب رجوع الامرين جميعا إليه وأنهم ضلوا بضرب المثل وأنهم لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من المثل على أنه تعالى أخبرنا بأنهم ضلوا وظاهر ذلك الاخبار عن ماضي فعلهم فإن كان قوله تعالى (فلا يستطيعون سبيلا) يرجع إليه فيجب أن يدل على أنهم لا يقدرون على ترك الماضي وهذا مما لا تخالف فيه وليس فيه ما نأباه من أنهم لا يقدرون في المستقبل أو في الحال على مفارقة الضلال والخروج عنه وتعذر تركه بعد مضيه فإذا لم يكن للآية ظاهر فلم صاروا بأن يحملوا نفى الاستطاعة على أمر كلفوه بأولى منا إذا حملنا ذلك على أمر لم يكلفوه أو على أنه أراد الاستثقال والخبر عن عظم المشقة عليهم ولو جرت عادة أهل اللغة بأن يقولوا لمن يستثقل شيئا إنه لا يستطيعه ولا يقدر عليه ولا يتمكن منه ألا ترى
(٧٢)