القبيحة خارجة عنه لان أحدا من المسلمين لا يستحسن أن يقول إني أزنى غدا إن شاء الله أو أقتل مؤمنا وكلهم يمنع من ذلك أشد المنع فعلم سقوط شبهة من ظن أن الآية عامة في جميع الأفعال.. وأما أبو علي محمد بن عبد الوهاب فإنه ذكر في تأويل هذه الآية ما نحن ذاكروه بعينه قال إنما عنى بذلك أن من كان لم يعلم أنه يبقى إلى غد حيا فلا يجوز أن يقول إني سأفعل غدا وكذا وكذا فيطلق الخبر بذلك وهو لا يدرى لعله سيموت ولا يفعل ما أخبر به لان هذا الخبر إذا لم يوجد مخبره على ما أخبر به فهو كذب وإذا كان المخبر لا يأمن أن لا يوجد مخبره لحدوث أمر من فعل الله نحو الموت أو العجز أو بعض الأمراض أو لا يوجد ذلك بأن يبدو له في ذلك فلا يأمن من أن يكون خبره كذبا في معلوم الله عز وجل وإذا لم يأمن ذلك لم يجز أن يخبر به ولا يسلم خبره هذا من الكذب إلا بالاستثناء الذي ذكره الله تعالى فإذا قال إني صائر غدا إلى المسجد إن شاء الله فاستثنى في مصيره بمشيئة الله تعالى أمن أن يكون خبره في هذا كذبا لان الله تعالى إن شاء أن يلجئه إلى المصير إلى المسجد غدا ألجأ إلى ذلك وكان المصير منه لا محالة وإذا كان ذلك على ما وصفنا لم يكن خبره هذا كذبا وإن لم يوجد منه المصير إلى المسجد لأنه لم يوجد ما استثناه في ذلك من مشيئة الله تعالى.. قال وينبغي أن لا يستثنى مشيئة دون مشيئة لأنه إن استثنى في ذلك مشيئة الله بمصيره إلى المسجد على وجه التعبد فهو أيضا لا يأمن أن يكون خبره كذبا لان الانسان قد يترك كثيرا مما يشاؤه الله تعالى منه ويتعبده به ولو كان استثناء مشيئة الله لان يبقيه ويقدره ويرفع عنه الموانع كان أيضا لا يأمن أن يكون خبره كذبا لأنه قد يجوز أن لا يصير إلى المسجد مع تبقية الله تعالى له قادرا مختارا فلا يأمن من الكذب في هذا الخبر دون أن يستثنى المشيئة العامة التي ذكرناها فإذا دخلت هذه المشيئة في الاستثناء فقد أمن أن يكون خبره كذبا إذا كانت هذه المشيئة متى وجدت وجب أن يدخل المسجد لا محالة قال وبمثل هذا الاستثناء يزول الحنث عمن حلف فقال والله لأصيرن غدا إلى المسجد إن شاء الله تعالى لأنه ان استثنى على سبيل ما بينا لم يجز أن يحنث في يمينه ولو خص استثناءه بمشيئة بعينها ثم كانت ولم يدخل معها إلى المسجد حنث في يمينه.. وقال غير أبى على إن المشيئة المستثناة ههنا هي مشيئة المنع والحيلولة
(٣٤)