المسألة كانت لقومه فإنه يقول إنما تاب لأنه أقدم على أن سأل على لسان قومه ما لم يؤذن له فيه وليس للأنبياء ذلك لأنه لا يؤمن أن يكون الصلاح في المنع منه فيكون ترك إجابتهم إليه منفرا عنهم ومن ذهب إلى أنه سأل المعرفة الضرورية يقول إنه تاب من حيث سأل معرفة لا يقتضيها التكليف وعلى جميع الأحوال تكون التوبة من ذنب صغير لا يستحق عليه العقاب ولا الذم والأولى أن يقال في توبته عليه الصلاة والسلام انه ليس في الآية ما يقتضى أن تكون التوبة وقعت من المسألة أو من أمر يرجع إليها وقد يجوز أن يكون ذلك منه إما لذنب صغير تقدم تلك الحال أو تقدم النبوة فلا يرجع إلى سؤال الله تعالى الرؤيا أو ما أظهره من التوبة على سبيل الرجوع إلى الله تعالى وإظهار الانقطاع إليه والتقرب منه وإن لم يكن هناك ذنب صغير وقد يجوز أيضا أن يكون الغرض في ذلك مضافا إلى إلى ما قلناه تعليما وتوقيفا على ما نستعمله وندعوه به عند الشدائد ونزول الأهوال وتنبيه القوم المخطئين خاصة على التوبة مما التمسوه من الرؤية المستحيلة عليه تعالى فإن الأنبياء عليهم السلام وإن لم يقع منهم القبيح عندنا فقد يقع من غيرهم ويحتاج من رفع ذلك عنه إلى التوبة من الاستقالة.. فأما قوله تعالى (فلما تجلى ربه للجبل) فإن التجلي ههنا هو التعريف والاعلام والاظهار لما يقتضى المعرفة كقولهم هذا كلام جلى أي واضح ظاهر وكقول الشاعر تجلى لنا بالمشرفية والقنا * وقد كان عن وقع الأسنة نائيا أراد أن تدبيره دل عليه حتى علم أنه المدبر له وإن كان نائيا وقع الأسنة فأقام ما أظهره من دلالة فعله على مقام مشاهدته وعبر عنه بأنه تجلى منه.. وفى قوله تعالى للجبل وجهان.. أحدهما أن يكون المراد لأهل الجبل ومن كان عند الجبل فحذف كما قال تعالى (واسأل القرية.. وما بكت عليهم السماء والأرض) وقد علمنا أنه بما أظهره من الآيات إنما دل من كان عند الجبل على أن رؤيته تعالى غير جائزة.. والوجه الآخر أن يكون المعنى للجبل أي بالجبل فأقام اللام مقام الباء كما قال تعالى (آمنتم له قبل أن آذن لكم) أي به وكما يقول أخذتك لجرمك أي بجرمك ولما كانت الآية الدالة على منع ما سئل فيه إنما حلت الجبل وظهرت فيه جاز أن يضاف التجلي إليه وقد استدل
(١٢٧)