فلا يقدر على الإقامة فيهما فالقذف فيهما لا ينعقد موجبا للحد حين وجوده فلا يحتمل الاستيفاء بعد ذلك لان الاستيفاء للواجب والله سبحانه وتعالى أعلم * (فصل) * وأما الذي يرجع إلى نفس القذف فهو أن يكون مطلقا عن الشرط والإضافة إلى وقت فإن كان معلقا بشرط أو مضافا إلى وقت لا يوجب الحد لان ذكر الشرط أو الوقت يمنع وقوعه قذفا للحال وعند وجود الشرط أو الوقت يجعل كأنه نجز القذف كما في سائر التعليقات والإضافات فكان قاذفا تقديرا مع انعدام القذف حقيقة فلا يجب الحد وعلى هذا يخرج ما إذا قال رجل من قال كذا وكذا فهو زان أو ابن الزانية فقال رجل أنا قلت أنه لا حد على المبتدى لأنه علق القذف بشرط القول وكذلك إذا قال لرجل ان دخلت هذه الدار فأنت زان أو ابن الزانية فدخل لا حد على القائل لما قلنا وكذا من قال لغيره أنت زان أو ابن الزانية غدا أو رأس شهر كذا فجاء الغد والشهر لا حد عليه لان إضافة القذف إلى وقت يمنع تحقق القذف في الحال وفى المآل على ما بينا والله عز وجل أعلم * (فصل) * وأما بيان ما تظهر به الحدود عند القاضي فنقول وبالله التوفيق الحدود كلها تظهر بالبينة والاقرار لكن عند استجماع شرائطها أما شرائط البينة القائمة على الحد (فمنها) ما يعم الحدود كلها (ومنها) ما يخص البعض دون البعض أما الذي يعم الكل فالذكورة والأصالة فلا تقبل شهادة النساء ولا الشهادة على الشهادة ولا كتاب القاضي إلى القاضي في الحدود كلها لتمكن زيادة شبهة فيها ذكرناها في كتاب الشهادات والحدود لا تثبت مع الشبهات ولو ادعى القاذف أن المقذوف صدقه وأقام على ذلك رجلا وامرأتين جاز وكذلك الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي لان الشهادة ههنا قامت على اسقاط الحد لا على اثباته والشبهة تمنع من اثبات الحد لا من اسقاطه (وأما) الذي يخص البعض دون البعض (فمنها) عدم التقادم وانه شرط في حد الزنا والسرقة وشربي الخمر وليس بشرط في حد القذف والفرق ان الشاهد إذا عاين الجريمة فهو مخير بين أداء الشهادة حسبة لله تعالى لقوله تعالى عز وجل وأقيموا الشهادة لله وبين التستر على أخيه المسلم لقوله عليه الصلاة والسلام من ستر على أخيه المسلم ستر الله عليه في الآخرة فلما لم يشهد على فور المعاينة حتى تقادم العهد دل ذلك على اختيار جهة الستر فإذا شهد بعد ذلك دل على أن الضغينة حملته على ذلك فلا تقبل شهادته لما روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه قال أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته فإنما شهدوا عن ضغن ولا شهادة لهم ولم ينقل انه أنكر عليه منكر فيكون اجماعا فدل قول سيدنا عمر رضي الله عنه على أن مثل هذه الشهادة شهادة ضغبنة وانها غير مقبولة ولان التأخير والحالة هذه يورث تهمة ولا شهادة للمتهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف حد القذف لان التأخير ثمة لا يدل على الضغينة والتهمة لان الدعوى هناك شرط فاحتمل ان التأخير كان لتأخير الدعوى من المدعى والدعوى ليست بشرط في الحدود الثلاثة فكان التأخير لما قلنا ويشكل على هذا فصل السرقة فان الدعوى هناك شرط ومع هذا التقادم مانع واختلفت عبارات مشايخنا في الجواب عن هذا الاشكال فقال بعضهم ان معنى الضغينة والتهمة حكمة المنع من قبول الشهادة والسبب الظاهر هو كون الحد خالص حق الله تعالى والحكم يدار على السبب الظاهر لا على الحكمة وقد وجد السبب الظاهر في السرقة فيوجب المنع من قبول الشهادة وهذا ليس بسديد لان الأصل تعليق الحكم بالحكمة الا إذا كان وجه الحكمة خفيا لا يوقف عليه الا يحرج فيقام السبب الظاهر مقامه وتجعل الحكمة موجودة تقديرا وههنا يمكن الوقوف عليه من غير حرج ولم توجد في السرقة لما بينا فيجب أن تقبل الشهادة بعد التقادم وقال بعضهم إنما لا تقبل الشهادة في السرقة لان دعوى السرقة بعد التقادم لم تصح لان المدعى في الابتداء مخير بين أن يدعى السرقة ويقطع طمعه عن ماله احتسابا لإقامة الحد وبين أن يدعى أخذ المال سترا على أخيه المسلم فلما أخر دل تأخيره على اختيار جهة الستر والاعراض عن جهة الحسبة فلما شهد بعد ذلك فقد قصد الاعراض عن جهة الستر فلا يصح اعراضه ولم يجعل قاصدا جهة الحسبة لأنه قد كان أعرض عنها عند اختياره جهة الستر فلم تصح دعواه السرقة فلم تقبل
(٤٦)