لوجوب الرجم على أحدهما حتى لو كان أحدهما محصنا والآخر غير محصن فالمحصن منهما يرجم وغير المحصن يجلد ثم إذا ظهر احصان الزاني بالبينة أو بالاقرار يرجم بالنص والمعقول أما النص فالحديث المشهور وهو قوله عليه الصلاة والسلام لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى معان ثلاث كفر بعد ايمان وزنا بعد احصان وقتل نفس بغير حق وروى أنه عليه الصلاة والسلام رجم ماعزا وكان محصنا وأما المعقول فهو أن المحصن إذا توفرت عليه الموانع من الزنا فإذا أقدم عليه مع توفر الموانع صار زناه غاية في القبح فيجازى بما هو غاية في العقوبات الدنيوية وهو الرجم لان الجزاء على قدر الجناية ألا ترى ان الله سبحانه وتعالى توعد نساء النبي عليه الصلاة والسلام بمضاعفة العذاب إذا أتين بفاحشة لعظم جنايتهن لحصولها مع توفر الموانع فيهن لعظم نعم الله سبحانه وتعالى عليهن لنيلهن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضاجعته فكانت جنايتهن على تقدير الاتيان غاية في القبح فأوعدن بالغاية من الجزاء كذا ههنا ولا يجمع بين الجلد والرجم عند عامة العلماء وقال بعض الناس يجمع بينهما لظاهر قوله عليه الصلاة والسلام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة (ولنا) أنه عليه الصلاة والسلام رجم ماعزا ولم يجلده ولو وجب الجمع بينهما لجمع ولان الزنا جناية واحدة فلا يوجب الا عقوبة واحدة والجلد والرجم كل واحد منهما عقوبة على حدة فلا يجبان لجناية واحدة والحديث محمول على الجمع بينهما في الجلد والرجم لكن في حالين فيكون عملا بالحديث وإذا فقد شرط من شرائط الاحصان لا يرجم بل يجلد لان الواجب بنفس الزنا هو الجلد بآية الجلد ولان زنا غير المحصن لا يبلغ غاية في القبح فلا تبلغ عقوبته النهاية فيكتفى بالجلد وهل يجمع بين الجلد والتغريب اختلف فيه قال أصحابنا لا يجمع الا إذا رأى الامام المصلحة في الجمع بينهما فيجمع وقال الشافعي رحمه الله يجمع بينهما احتج بما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام وروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه انه جلد وغرب وكذا روى عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه فعل كذا ولم ينكر عليهما أحد من الصحابة فيكون اجماعا (ولنا) قوله عز وجل الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة والاستدلال به من وجهين أحدهما أنه عز وجل أمر بجلد الزانية والزاني ولم يذكر التغريب فمن أوجبه فقد زاد على كتاب الله عز وجل والزيادة عليه نسخ ولا يجوز نسخ النص بخبر الواحد والثاني أنه سبحانه وتعالى جعل الجلد جزاء والجزاء اسم لما تقع به الكفاية مأخوذ من الاجتزاء وهو الاكتفاء فلو أوجبنا التغريب لا تقع الكفاية بالجلد وهذا خلاف النص ولان التغريب تعريض للمغرب على الزنا لأنه ما دام في بلده يمتنع عن العشائر والمعارف حياء منهم وبالتغريب يزول هذا المعنى فيعرى الداعي عن الموانع فيقدم عليه والزنا قبيح فما أفضى إليه مثله وفعل الصحابة محمول على أنهم رأوا ذلك مصلحة على طريق العزير ألا يرى أنه روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه نفى رجلا فلحق بالروم فقال لا أنفى بعدها أبدا وعن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال كفى بالنفي فتنة فدل ان فعلهم كان على طريق التعزير ونحن به نقول أن للامام أن ينفى ان رأى المصلحة في التغريب ويكون النفي تعزيرا لا حدا والله سبحانه وتعالى أعلم وأما احصان القذف فنذكره في حد القذف إن شاء الله تعالى * (فصل) * وأما حد الشرب فسبب وجوبه الشرب وهو شرب الخمر خاصة حتى يجب الحد بالشرب قليلها وكثيرها ولا يتوقف الوجوب على حصول السكر منها وحد السكر سبب وجوبه السكر الحاصل بشرب ما سوى الخمر من الأشربة المعهودة المسكرة كالسكر ونقيع الزبيب والمطبوخ أدنى طبخة من عصير العنب أو التمر والزبيب والمثلث ونحو ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم * (فصل) * وأما شرائط وجوبها فمنها العقل ومنها البلوغ فلا حد على المجنون والصبي الذي لا يعقل ومنها الاسلام فلا حد على الذمي والحربي المستأمن بالشرب ولا بالسكر في ظاهر الرواية ومنها عدم الضرورة في شرب الخمر فلا حد على من أكره على شرب خمر ولا على من أصابته مخمصة وإنما كان كذلك لان الحد عقوبة محضة فتستدى جناية محضة وفعل الصبي والمجنون لا يوصف بالجناية وكذا الشرب لضرورة المخمصة والاكراه حلال فلم
(٣٩)