عليه الصلاة والسلام دعاهم إلى أيمان اليهود فقالوا كيف نرضى بأيمانهم وهو مشركون وهذا يجرى مجرى الرد لما دعاهم إليه مع أن رضا المدعى لا مدخل له في يمين المدعى عليه وفيه أيضا أنه لما قال لهم يحلف منكم خمسون أنهم قتلوه قالوا كيف نحلف على ما لم نشهد وهذا أيضا يجرى مجرى الرد لقوله عليه الصلاة والسلام ثم إنهم أنكروا ذلك لعدم علمهم بالمحلوف عليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنهم لا علم لهم بذلك فكيف استخار عرض اليمين عليهم ولئن ثبت فهو مؤول وتأويله أنهم لما قالوا لا نرضى بايمان اليهود فقال لهم عليه الصلاة والسلام يحلف منكم خمسون على الاستفهام أي أيحلف إذ الاستفهام قد يكون بحذف حرف الاستفهام كما قال الله تعالى جل شأنه تريدون عرض الدنيا أي أتريدون كما روى في بعض ألفاظ حديث سهل أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم على سبيل الرد والانكار عليهم كما قال الله تبارك وتعالى أفحكم الجاهلية يبغون حملناه على هذا توفيقا بين الدلائل والحديث المشهور دليل على ما قلنا وهو قوله عليه الصلاة والسلام البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه جعل جنس اليمين على المدعى عليه فينبغي أن لا يكون شئ من الايمان على المدعى فان قيل روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه الا في القسامة استثنى القسامة فينبغي أن لا تكون اليمين على المدعى عليه في القسامة لان حكم المستثنى يخالف حكم المستثنى منه فالجواب أن الاستثناء لو ثبت فله تأويلان أحدهما اليمين على المدعى عليه بعينه الا في القسامة فان يحلف من لم يدع عليه القتل بعينه والثاني اليمين كل الواجب على المدعى عليه الا في القسامة فإنه تجب معها الدية والله سبحانه وتعالى أعلم وإنما جمعنا في القسامة بين اليمين البتات والعلم إلى آخره لان احدى اليمنين كانت على فعلهم فكانت على البتات والأخرى على فعل غيرهم فكانت على العلم والله تعالى عز وجل أعلم فان قيل أي فائدة في الاستحلاف على العلم وهم لو علموا القاتل فأخبروا به لكان لا يقبل قولهم لأنهم يسقطون به الضمان عن أنفسهم فكانوا متهمين دافعين الغرم عن أنفسهم وقد قال عليه الصلاة والسلام لا شهادة للمتهم وقال عليه الصلاة والسلام لا شهادة لجار المغنم ولا لدافع المغرم قيل إنما استحلفوا على العلم اتباعا للسنة لان السنة هكذا وردت لما روينا من الاخبار فاتبعنا السنة من غير أن نعقل فيه المعنى ثم فيه فائدة من وجهين أحدهما أن من الجائز أن يكون القاتل عبدا لواحد منهم فيقر عليه بالقتيل فيقبل اقراره لان اقرار المولى على عبده بالقتل الخطأ صحيح فيقال له ادفعه أو افده ويسقط الحكم عن غيره فكان التحليف على العلم مفيدا وجائز أن يقر على عبد غيره ويصدقه مولاه فيؤمر بالدفع أو الفداء ويسقط الحكم عن غيره فكان مفيدا فجاز أن يكون التحليف على العلم لهذا المعنى في الأصل ثم بقي هذا الحكم وان لم يكن لواحد من الحالفين عبد كالرمل في الطواف لأنه عليه الصلاة والسلام كأن يرمل في الطواف اظهارا للجلادة والقوة مراءاة للكفرة بقوله عليه الصلاة والسلام رحم الله امرأ أظهر يوم الجلادة من نفسه ثم زال ذلك اليوم ثم بقي الرمل سنة في الطواف حتى روى أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان يرمل في الطواف ويقول ما أهز كتفي ولم أحدا رأيته لكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كذا هذا والثاني أنه لا يمتنع أن يكون واحد منهم أمر صبيا أو مجنونا أو عبدا محجورا عليه بالقتل ولو أقر به يلزمه في ماله يحلف بالله ما علمت له قاتلا لأنه لو قال علمت له قاتلا وهو الصبي الذي أمره بقتله لكان حاصل الضمان عليه ويسقط الحكم عن غيره فكان مفيدا والله تعالى أعلم * (فصل) * وأما شرائط وجوب القسامة والدية فأنواع منها أن يكون الموجود قتيلا وهو أن يكون به أثر القتل من جراحة أو أثر ضرب أو خنق فإن لم يكن شئ من ذلك فلا قسامة فيه ولا دية لأنه إذا لم يكن به أثر القتل فالظاهر أنه مات حتف أنفه فلا يجب فيه شئ فإذا احتمل انه مات حتف أنفه واحتمل أنه قتل احتمالا على السواء فلا يجب شئ بالشك والاحتمال ولهذا لو وجد في المعركة ولم يكن به أثر القتل لم يكن شهيدا حتى يغسل وعلى هذا قالوا إذا وجد والدم يخرج من فمه أو من أنفه أو دبره أو ذكره لا شئ فيه لان الدم يخرج من هذه المواضع عادة بدون الضرب بسبب القئ والرعاف وعارض آخر فلا يعرف كونه قتيلا وإن كان يخرج من عينه أو أذنه ففيه القسامة والدية لان الدم
(٢٨٧)