عليه لان اليمين وظيفة المنكر قال عليه الصلاة والسلام واليمين على من أنكر جعل جنس اليمين على المنكر فينفي وجوبها على غير المنكر (ومنها) المطالبة بالقسامة لان اليمين حق المدعى وحق الانسان يوفى عند طلبه كما في سائر الايمان ولهذا كان الاختيار في حال القسامة إلى أولياء القتيل لان الايمان حقهم فلهم أن يختار وامن يتهمونه ويستحلفون صالحي العشيرة الذين يعلمون انهم لا يحلفون كذبا ولو طولب من عليه القسامة بها فنكل عن اليمين حبس حتى يحلف أو يقر لان اليمين في باب القسامة حق مقصود بنفسه لا انه وسيلة إلى المقصود وهو الدية بدليل انه يجمع بينه وبين الدية ولهذا قال الحرث بن الازمع لسيدنا عمر رضي الله عنه انبذل ايماننا وأموالنا فقال نعم وروى أن الحارث قال أما تجزى هذه عن هذه فقال لا وروى أنه قال فبم يبطل دم صاحبكم فإذا كانت مقصودة بنفسها فمن امتنع عن أداء حق مقصود بنفسه وهو قادر على الأداء يجبر عليه بالحبس كمن امتنع عن قضاء دين عليه مع القدرة على القضاء بخلاف اليمين في سائر الحقوق فإنها ليست مقصودة بنفسها بل هي وسيلة إلى المقصود وهو المال المدعى ألا ترى انه لا يجمع بينهما بل إذا خلف المدعى عليه برئ أولا ترى انه إذا لم يحلف المدعى عليه ولم يقر وبذل المال لا يلزمه شئ وههنا لو لم يحلفوا ولم يقروا واو بذلوا الدية لا تسقط عنهم القسامة فدل انها مقصودة بنفسها فيجبرون عليها بالحبس وروى عن أبي يوسف انهم لا يحبسون والدية على العاقلة ذكره القاضي في شرحه مختصر الطحاوي رحمه الله وذكر فيه أيضا ان الامام إذا أيس عن الحلف وسأله الأولياء ان يغرمهم الدية يقضى عليهم بالدية والله تعالى أعلم (ومنها) أن يكون الموضع الذي وجد فيه القتيل ملكا لاحدا وفى يد أحد فإن لم يكن ملكا لاحد ولا في يد أحد أصلا فلا قسامة فيه ولا دية وإن كان في يد أحد يد العموم لا يد الخصوص وهو أن يكون التصرف فيه لعامة المسلمين لا لواحد منهم ولا لجماعة يحصون لا تجب القسامة وتجب الدية وإنما كان كذلك لان القسامة أو الدية إنما تجب بترك الحفظ اللازم على ما نذكر فإذا لم يكن ملك أحد ولا في يد أحد أصلا لا يلزم أحدا حفظه فلا تجب القسامة والدية وإذا كان في يد العامة فحفظه على العامة لكن لا سبيل إلى ايجاب القسامة على الكل لتعذر الاستيفاء من الكل وأمكن ايجاب الدية على الكل لامكان الاستيفاء منهم بالاخذ من بيت المال لان مال بيت المال مالهم فكان الاخذ من بيت المال استيفاء منهم وعلى هذا يخرج ما إذا وجد القتيل في فلاة من الأرض ليس بملك لاحد انه لا قسامة فيه ولا دية إذا كان بحيث لا يسمع الصوت من الأمصار ولا من قرية من القرى فإن كان بحيث يسمع الصوت تجب القسامة على أقرب المواضع إليه فإن كان أقرب إلى القرى فعلى أقرب القرى وإن كان أقرب إلى المصر فعلى أقرب محال المصر إليه لأنه إذا كان بحيث لا يسمع الصوت والغوث لا يلحق ذلك الموضع فلم يكن الموضع في يد أحد فلم يوجد القتيل في ملك أحد ولا في يد أحد أصلا فلا تجب فيه القسامة ولا الدية وإذا كانت بحيث يسمع الصوت والغوث يلحق فكان من توابع أقرب المواضع إليه وقد ورد اعتبار القرب حديث عنه عليه الصلاة والسلام وقضى به أيضا سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه على ما نذكر ولو وجد في نهر عظيم كدجلة والفرات وسيحون ونحوها فإن كان النهر يجرى به فلا قسامة ولا دية لان النهر العظيم ليس ملكا لاحد ولا في يد أحد وقال زفر رحمه الله تجب على أقرب القرى من ذلك الموضع كما إذا وجد على الدابة وهي تسير وليست في يد أحد وهذا القياس ليس بسديد لان الموضع الذي تسير فيه الدابة تابع لأقرب المواضع إليه فكان في يد أهله بخلاف النهر الكبير فإنه لا يدخل تحت يد أحد لا بالأصالة ولا بالتبعية وإن كان النهر لا يجرى به ولكنه كان محتبسا في الشط أو مربوطا على الشط أو ملقى على الشط فإن كان الشط ملكا فحكمه حكم الأرض المملوكة أو الدار المملوكة إذا وجد فيها قتيل وسنذكره إن شاء الله تعالى فإن لم يكن ملكا لاحد فعلى أقرب المواضع إليه من الأمصار والقرى من حيث يسمع الصوت القسامة والدية لأنهم يستقون منه الماء ويوردون دوابهم فكان لهم تصرف في الشط فكان الشط في أيديهم وكذلك لو كان في الجزيرة فعلى أقرب المواضع إلى الجزيرة من الأمصار والقرى من حيث يسمع الصوت القسامة والدية لان الجزيرة تكون في تصرفهم فكانت
(٢٨٩)