والدية لوجود القتيل بين أظهرهم والى هذا المعنى أشار سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه حينما قيل أنبذل أموالنا وأيماننا فقال أما أيمانكم فلحقن دمائكم وأما أموالكم فلوجود القتيل بين أظهركم وإذا عرف هذا فنقول القتيل إذا وجد في المحلة فالقسامة والدية على أهل المحلة للأحاديث واجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما ذكرنا ولان حفظ المحلة عليهم ونفع ولاية التصرف في المحلة عائد إليهم وهم المتهمون في قتله فكانت القسامة الدية عليهم وكذا إذا وجد في مسجد المحلة أو في طريق المحلة لما قلنا فيحلف عنهم خمسون فإن لم يكمل العدد خمسين رجلا تكرر الايمان عليهم حتى تكمل خمسين يمينا لما روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه إذا حلف رجال القسامة فكانوا تسعة وأربعين رجلا فأخذ منهم واحدا وكرر عليه اليمين حتى كملت خمسين يمينا وكان ذلك بمحضر الصحابة رضي الله عنهم ولم ينقل انه خالفه أحد فيكون اجماعا ولأن هذه الايمان حق ولى القتيل فله أن يستوفيها ممن يمكن استيفاؤها منه فان أمكن الاستيفاء من عدد الرجال الخمسين استوفى وان لم يكن يستوفى عدد الايمان التي هي حقه وإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر اليمين على بعضهم ليس له ذلك كذا ذكر محمد رحمه الله لان موضوع هذه الايمان على عدد الخمسين في الأصل لا على واحد وإنما التكرار على واحد لضرورة نقصان العدد ولا ضرورة عند الكمال وإن كان في المحلة قبائل شتى فإن كان فيها أهل الخطة والمشترون فالقسامة والدية على أهل الخطة ما بقي منهم واحد في قول أبي حنيفة ومحمد عليهما الرحمة وقال أبو يوسف رحمة الله عليهم وعلى المشترين جميعا (وجه) قوله إن الوجوب على أهل الخطة باعتبار الملك والملك ثابت للمشترين ولهذا لم يكن من أهل الخطة أحد كانت القسامة على المشترين (وجه) قولهما ان أهل الخطة أصول في الملك لان ابتداء الملك ثبت لهم وإنما انتقل عنهم إلى المشترين فكانوا أخص بنصرة المحلة وحفظها من المشترين فكانوا أولى بايجاب القسامة والدية عليهم وإن كان المشترى بينهم كالأجنبي فما بقي واحد منهم لا ينتقل إلى المشترى وقيل أن أبا حنيفة بنى الجواب على ما شاهد بالكوفة وكان تدبير أمر المحلة فيها إلى أهل الخطة وأبو يوسف رأى التدبير إلى الاشراف من أهل المحلة كانوا من أهل الخطة أولا فبنى الجواب على ذلك فعلى هذا لم يكن بينهما خلاف في الحقيقة لان كل واحد منهما عول على معنى الحفظ والنصرة فان فقد أهل الخطة وكان في المحلة ملاك وسكان فالدية على الملاك لا على السكان عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف عليهم جميعا له ما روى أن رسول الله عليه الصلاة والسلام أوجب القسامة على أهل خيبر وكانوا سكانا ولان للساكن اختصاصا بالدار يدا كما أن للمالك اختصاصا بها ملكا ويد الخصوص تكفى لوجوب القسامة (وجه) قولهما أن المالك أخص بحفظ الموضع ونصرته من السكان لان اختصاصه اختصاص ملك وانه أقوى من اختصاص اليد ألا يرى أن السكان يسكنون زمانا ثم ينتقلون وأما ايجاب القسامة على يهود خيبر فممنوع انهم كانوا سكانا بل كانوا ملاكا فإنه روى أنه عليه الصلاة والسلام أقرهم على املاكهم ووضع الجزية على رؤسهم وما كان يؤخذ منهم كان يؤخذ على وجه الجزية لا على سبيل الأجرة ولو وجد قتيل في سفينة فإن لم يكن معهم ركاب فالقسامة والدية على أرباب السفينة وعلى من يمدها ممكن يملكها أو لا يملكها وإن كان معهم فيها ركاب فعليهم جميعا وهذا في الظاهر يؤيد قول أبى يوسف في ايجابه القسامة والدية على الملاك والسكان جميعا وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله يفرقان بين السفينة والمحلة لان السفينة تنقل وتحول من مكان إلى مكان فتعتبر فيها اليد دون الملك كالدابة إذا وجد عليها قتيل بخلاف الدار فإنها لا تحتمل النقل والتحويل فيعتبر فيها الملك والتحويل ما أمكن لا اليد وكذلك العجلة حكمها حكم السفينة لأنها تنقل وتحول ولو وجد القتيل معه رجل يحمله على ظهره فعليه القسامة والدية لان القتيل في يده ولو وجد جريح معه به رمق يحمله حتى أتى به أهله فمكث يوما أو يومين ثم مات لا يضمن عند أبي يوسف وقال أبو يوسف وفى قياس قول أبي حنيفة رضي الله عنه يضمن (وجه) القياس أن الحامل قد ثبتت يده عليه مجروحا فإذا مات من الجرح فكأنه مات في يده وهذا تقرير على من جرح في قبيلة فتحامل إلى قبيلة أخرى
(٢٩١)