وهو قول أبى يوسف الأول رحمه الله ثم رجع وقال تقبل في العبد خاصة إذا أبق وأخذ في بلد فأقام صاحبه البينة عند قاضى بلده ان عبده أخذه فلان في بلد كذا فشهد الشهود على الملك أو على صفة العبد وحليته فإنه يكتب إلى قاضى البلد الذي العبد فيه انه قد شهد الشهود عندي ان عبدا صفته وحليته كذا وكذا ملك فلان أخذه فلان بن فلان ينسب كل واحد منهما إلى أبيه والى جده على رسم كتاب القاضي إلى القاضي وإذا وصل إلى القاضي المكتوب إليه وعلم أنه كتابه بشهادة الشهود يسلم العبد إليه ويختم في عنقه ويأخذ منه كفيلا ثم يبعث به إلى القاضي الكاتب حتى يشهد الشهود عليه عنده بعينه على الإشارة إليه ثم يكتب القاضي الكاتب له كتابا آخر إلى ذلك القاضي المكتوب إليه أول مرة فإذا علم أنه كتابه قبله وقضى وسلم العبد إلى الذي جاء بالكتاب وأبرأ كفيله ولا يقبل في الجارية بالاجماع وجه قول أبى يوسف رحمه الله ان الحاجة إلى قبول كتاب القاضي في العبد متحققة لعموم البلوى به فلو لم يقبل لضاق الا على الناس ولضاعت أموالهم ولا حاجة إليه في الأمة لأنها لا تهرب عادة لعجزها وضعف بنيتها وقلبها ولهما أن الشهادة لا تقبل الا على معلوم للآية الكريمة الا من شهد بالحق وهم يعلمون والمنقول لا يصير معلوما الا بالإشارة إليه والإشارة إلى الغائب محال فلم تصح شهادة الشهود ولا دعوى المدعى لجهالة المدعى فلا يقبل الكتاب فيه ولهذا لم يقبل في الجارية وفى سائر المنقولات بخلاف العقار لأنه يصير معلوما بالتحديد وبخلاف الدين لان الدين يصير معلوما بالوصف وهذا الذي ذكرنا مذهب أصحابنا رضي الله عنهم وقال ابن أبي ليلى رحمه الله يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في الكل وقضاة زماننا يعملون بمذهبه لحاجة الناس وينبغي للقاضي المرسل إليه أن لا يفك الكتاب الا بمحضر من الخصم ليكون أبعد من التهمة ومنها أن لا يكون في الحدود والقصاص لان كتاب القاضي إلى القاضي بمنزلة الشهادة على الشهادة وانه لا تقبل فيهما كذا هذا ومنها أن يكون اسم المكتوب له وعليه واسم أبيه وجده وفخذه مكتوبا في الكتاب حتى لو نسبه إلى أبيه ولم يذكر اسم جده أو نسبه إلى قبيلة كبني تميم ونحوه لا يقبل لان التعريف لا يحصل به الا وأن يكون شيئا ظاهرا مشهورا أشهر من القبيلة فيقبل لحصول التعريف ومنها ذكر الحدود في الدور والعقار لان التعريف في المحدود لا يصح الا بذكر الحد ولو ذكر في الكتاب ثلاثة حدود يقبل عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر رحمه الله لا يقبل ما لم يشهدوا على الحدود الأربعة ولو شهدوا على حدين لا تقبل بالاجماع وإذا كانت الدار مشهورة كدار الأمير وغيره لا تقبل عند أبي حنيفة عليه الرحمة وعندهما تقبل وهذه من مسائل الشروط ومنها أن يكون القاضي الكاتب على قضائه عند وصول كتابه إلى القاضي المكتوب إليه حتى لو مات أو عزل قبل الوصول إليه لم يعمل به ولو مات بعد وصول الكتاب إليه جاز له ان يقضى به ومنها أن يكون القاضي المكتوب إليه على قضائه حتى لو مات أو عزل قبل وصول الكتاب إليه ثم وصل إلى القاضي الذي ولى مكانه لم يعمل به لأنه لم يكتب إليه والله تعالى أعلم ومنها أن يكون القاضي الكاتب من أهل العدل فإن كان من أهل البغي لم يعمل به قاضى أهل العدل بل يرده كبتا وغيظا لهم ومنها أن يكون لله سبحانه وتعالى خالصا لان القضاء عبادة والعبادة اخلاص العمل بكليته لله عز وجل فلا يجوز قضاؤه لنفسه ولا لمن لا تقبل شهادته له لان القضاء له قضاء لنفسه من وجهه فلم يخلص لله سبحانه وتعالى وكذا إذا قضى في حادثة برشوة لا ينفذ قضاؤه في تلك الحادثة وان قضى بالحق الثابت عند الله جل وعلا من حكم الحادثة لأنه إذا أخذ على القضاء رشوة فقد قضى لنفسه لا لله عز اسمه فلم يصح (وأما) الذي يرجع إلى المقضى له فأنواع منها أن يكون ممن تقبل شهادته للقاضي فإن كان ممن لا تقبل شهادته له لا يجوز له قضاء القاضي له لما قلنا والله تعالى الموفق ومنها أن يكون حاضرا وقت القضاء فإن كان غائبا لم يجز القضاء له الا إذا كان عنه خصم حاضر لان القضاء على الغائب كما لا يجوز فالقضاء للغائب أيضا لا يجوز ومنها طلب القضاء من القاضي في حقوق العباد لان القضاء وسيلة إلى حقه فكان حقه وحق الانسان لا يستوفى الا بطلبه (وأما) الذي يرجع إلى المقضى عليه فحضرته لا يجوز القضاء على الغائب إذا لم يكن عنه خصم حاضرا وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله ليس
(٨)