التعديل أما الأول فأنواع منها العقل ومنها البلوغ ومنها الاسلام فلا يجوز تعديل المجنون والصبي والكافر لان التزكية إن كانت تجرى مجرى الشهادة فهؤلاء ليسوا من أهل الشهادة فلا يكونون من أهل التزكية وإن كانت من باب الاخبار عن الديانات فخبرهم في الديانات غير مقبول لأنه لابد فيه من العدالة ولا عدالة لهؤلاء ومنها العدالة لان من لا يكون عدلا في نفسه كيف يعدل غيره وأما العدد فليس بشرط الجواز عند أبي حنيفة وأبى يوسف لكنه شرط الفضيلة والكمال وعند محمد شرط الجواز وجه قوله أن التزكية في معنى الشهادة لأنه خبر عن أمر غاب عن علم القاضي وهذا معنى الشهادة فيشترط لها نصاب الشهادة ولهما أن التزكية ليست بشهادة بدليل أنه لا يشترط فيه لفظ الشهادة فلا يلزم فيها العدد على أن شرط العدد في الشهادات ثبت نصا غير معقول المعنى فيما يشترط فيه لفظ الشهادة فلا يلزم مراعاة العدد فيما وراءه وعلى هذا الخلاف العدد في الترجمان وحامل المنشور أنه ليس بشرط عندهما وعنده شرط وعلى هذا الخلاف حرية المعدل وبصره وسلامته عن حد القذف انه ليس بشرط عندهما فتصح تزكية الأعمى والعبد والمحدود في القذف وعند محمد شرط فلا تصح تزكيتهم لان التزكية شهادة عنده فيشترط لها ما يشترط لسائر الشهادات وعندهما ليست بشهادة فلا يراعى فيها شرائط الشهادة لما قلنا وأما الذكورة فليست بشرط لجواز التزكية فتجوز تزكية المرأة إذا كانت امرأة تخرج لحوائجها وتخالط الناس فتعرف أحوالهم وهذا ظاهر الرواية على أصلها لان هذا من باب الاخبار عن الديانات وهي من أهله وأما عند محمد فتقبل تزكيتها فيما تقبل شهادتها فتصح تزكيتها فيما يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين وتجوز تزكية الولد للوالد والوالد للولد وكل ذي رحم محرم منه لأنه لا حق للعدل في التعديل إنما هو حق المدعى فلا يوجب تهمة فيه وهذا يشكل على أصل محمد لأنه يجرى التعديل مجرى الشهادة وشهادة الوالد لولده وعكسه لا تقبل ومنها أن لا يكون المزكى مشهودا عليه فإن كان لم تعتبر تزكيته ويجب السؤال وهذا تفريع على مذهب أبي يوسف ومحمد فيما سوى الحدود والقصاص بناء على أن المسألة ما وجبت حقا للمشهود عليه عندهما وإنما وجبت حقا للشرع وحق الشرع لا يتأدى بتعديله لان في زعم المدعى والشهود أنه كاذب في إنكاره فلا يصح تعديله وعند أبي حنيفة السؤال فيما سوى الحدود والقصاص حق المشهود عليه وحق الانسان لا يطلب الا بطلبه فما لم يطعن لا يتحقق الطلب فلا تجب المسألة وذكر في كتاب التزكية أن المشهود عليه إذا قال للشاهد هو عدل لا يكتفى به ما لم ينضم إليه آخر على قول محمد فصار عن محمد روايتان في رواية لا تعتبر أصلا وفى رواية يقبل تعديله إذا انضم إليه غيره وأما الثاني الذي يرجع إلى فعل التعديل فهو أن يقول المعدل في التعديل هو عدل جائز الشهادة حتى لو قال هو عدل ولم يقل جائز الشهادة لا يقبل تعديله لجواز أن يكون الانسان عدلا في نفسه ولا تجوز شهادته كالمحدود في القذف إذا تاب وصلح والعبد الصالح وكذلك إذا قال في الرد هو ليس بعدل لا يرد ما لم يقل هو غير جائز الشهادة لان غير العدل وهو الفاسق تجوز شهادته إذا تحرى القاضي الصدق في شهادته ولو قضى به القاضي ينفذ ومنها أن يسأل المعدل في السر أولا فان وجده عدلا يعدله في العلانية أيضا ويجمع بين المزكى والشهود وبين المدعى والمدعى عليه في تعديل العلانية وان لم يجده عدلا يقول المدعى زد في شهودك ولا يكشف عن حال المجروح سترا على المسلم ولا يكتفى بتعديل السر خوفا من الاحتيال والتزوير بان يسمى غير العدل باسم العدل فكان الأدب هو التزكية في العلانية بعد التزكية في السر ولو اختلف المعدلان فعدله أحدهما وجرحه الآخر سأل القاضي غيرهما فان عدله آخر أخذ بالتزكية وان جرحه آخر أخذ بالجرح لان خبر الاثنين أولى من خبر الواحد بالقبول لأنه حجة مطلقة وان انضم إلى كل واحد منهما رجل آخر فعدله اثنان وجرحه اثنان عمل بالجرح لان الجارح يعتمد حقيقة الحال والمعدل يبنى الامر على الظاهر لأن الظاهر من حال الانسان ان يظهر الصلاح ويكتم الفسق فكان قبول قول الجارح أولى كذلك لو جرحه اثنان وعدله ثلاثة أو أربعة أو أكثر يعمل بقول الجارح لان الترجيح لا يقع بكثرة العدد في باب الشهادة ومنها أن يجلس معه جماعة من أهل الفقه يشاورهم ويستعين برأيهم فيما يجهله
(١١)