من الأحكام وقد ندب الله سبحانه رسوله عليه الصلاة والسلام إلى المشاورة بقوله وشاورهم في الامر مع انفتاح باب الوحي فغيره أولى وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال ما رأيت أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مشاورة لأصحابه منه وروى أنه عليه الصلاة والسلام كأن يقول لسيدنا أبى بكر وسيدنا عمر رضى الله تعالى عنهما قولا فانى فيما لم يوح إلى مثلكما ولان المشاورة في طلب الحق من باب المجاهدة في الله عز وجل فيكون سببا للوصول إلى سبيل الرشاد قال الله عز وجل والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وينبغي أن يجلس معه من يوثق بدينه وأمانته لئلا يضن بما عنده من الحق والصواب بل بهديه إلى ذلك إذا رفع إليه ولا ينبغي ان يشاورهم بحضرة الناس لان ذلك يذهب بمهابة المجلس والناس يتهمونه بالجهل ولكن يقيم الناس عن المجلس ثم يشاورهم أو يكتب في رقعة فيدفع إليهم أو يكلمهم بلغة لا يفهمها الخصمان هذا إذا كان القاضي لا يدخله حصر باجلاسهم عنده ولا يعجز عن الكلام بين أيديهم فإن كان لا يجلسهم فان أشكل عليه شئ من أحكام الحوادث بعث إليهم وسألهم ومنها أن يكون له جلواز وهو المسمى بصاحب المجلس في عرف ديارنا يقوم على رأس القاضي لتهذيب المجلس وبيده سوط يؤدب به المنافق وينذر به المؤمن وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسك بيده سوطا ينذر به المؤمن ويؤدب به المنافق وكان سيدنا أبو بكر رضي الله عنه يمسك سوطا وسيدنا عمر رضي الله عنه اتخذ درة منها وأن يكون له أعوان يستحضرون الخصوم ويقومون بين يديه اجلالا له ليكون مجلسا مهيبا ويذعن المتمرد للحق وهذا في زماننا فاما في زمان الصحابة والتابعين رضي الله عنهم فما كان تقع الحاجة إلى أمثال ذلك لأنهم كانوا ينظرون إلى الامراء والقضاة بعين التبجيل والتعظيم ويخافونهم وينقادون للحق بدون ذلك فقد روى أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان يقضى في المسجد فإذا فرغ استلقى على قفاه وتوسد بالحصى وما كان ينقص ذلك من حرمته وروى أنه لبس قميصا فازدادت أكمامه عن أصابعه فدعا بالشفرة فقطعهما وكان لا يكفهما أياما وكانت الأطراف متعلقة منها والناس يهابونه غاية المهابة فاما اليوم فقد فسد الزمان وتغير الناس فهان العلم وأهله فوقعت الحاجة إلى هذه التكليفات للتوسل إلى احياء الحق وانصاف المظلوم من الظالم ومنها أن يكون له ترجمان لجواز ان يحضر مجلس القضاء من لا يعرف القاضي لغته من المدعى والمدعى عليه والشهود والكلام في عدد الترجمان وصفاته على الاتفاق والاختلاف كالكلام في عدد المزكى وصفاته كما تقدم والله سبحانه وتعالى أعلم ومنها أن يتخذ كاتبا لأنه يحتاج إلى محافظة الدعاوى والبينات والاقرارات لا يمكنه حفظها فلابد من الكتابة وقد يشق عليه أن يكتب بنفسه فيحتاج إلى كاتب يستعين به وينبغي أن يكون عفيفا صالحا من أهل الشهادة وله معرفة بالفقه أما العفة والصلاح فلان هذا من باب الأمانة والأمانة لا يؤديها الا العفيف الصالح وأما أهلية الشهادة فلان القاضي قد يحتاج إلى شهادته وأما معرفته بالفقه فلانه يحتاج إلى الاختصار والحذف من كلام الخصمين والنقل من لغة ولا يقدر على ذلك الا من له معرفة بالفقه فإن لم يكن فقيها كتب كلام الخصمين كما سمعه ولا يتصرف فيه بالزيادة والنقصان لئلا يوجب حقا لم يجب ولا يسقط حقا واجبا لان تصرف غير الفقيه بتفسير الكلام لا يخلو عن ذلك وينبغي ان يقعد الكاتب حيث يرى ما يكتب وما يصنع فان ذلك أقرب إلى الاحتياط ثم في عرف بلادنا يقدم كتابة الدعوى على الدعوى فيكتب الدعوى المدعى ويترك موضع التاريخ بياضا لجواز ان تتخلف الدعوى عن وقت الكتابة ويترك موضع الجواب أيضا بياضا لأنه لا يدرى ان المدعى عليه يقرأ وينكر ويكتب أسماء الشهود إن كان للمدعى شهود ويترك بين كل شاهدين بياضا ليكتب القاضي التاريخ وجواب الخصم وشهادة الشهود بنفسه ثم يطوى الكاتب الكتاب ويختمه ثم يكتب على ظهره خصومة فلان ابن فلان مع فلان ابن فلان في شهر كذا في سنة كذا ويجعله في قمطرة وينبغي ان يجعل لخصومات كل شهر قمطرا على حدة ليكون أبصر بذلك ثم يكتب القاضي في ذلك الشهر أسماء الشهود بنفسه على بطاقة أو يستكتب الكتاب بين يديه فيبعثها إلى المعدل سرا وهي المسماة بالمستورة في عرف ديارنا والأفضل أن
(١٢)