لا يصلح قال يسعه (وجه) قول من لا يرى الترجيح بكونه أفقه أن الترجيح يكون بالدليل وكونه أفقه ليس من جنس الدليل فلا يقع به الترجيح وهذا لا يصلح دليل الحكم بنفسه (وجه) قول من يرى به الترجيح أن هذا من جنس الدليل لان كونه أفقه يدل على أن اجتهاده اقرار إلى الصواب فكان من جنس الدليل فيصلح للترجيح ان لم يصلح دليل الحكم بنفسه وأبدا يكون الترجيح بما لا يصلح دليل الحكم بنفسه ولهذا قيل في حده زيادة لا يسقط بها التعارض حقيقة لما علم في أصول الفقه ولهذا أوجب أبو حنيفة رحمه الله تقليد الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم ورجحه على القياس لما أن قوله أقرب إلى إصابة الحق من قول القائس كذا هذا وان أشكل عليه حكم الحادثة استعمل رأيه في ذلك وعمل به والأفضل أن يشاور أهل الفقه في ذلك فان اختلفوا في حكم الحادثة نظر في ذلك فأخذ بما يؤدى إلى الحق ظاهرا وان اتفقوا على رأى يخالف رأيه عمل برأي نفسه أيضا لان المجتهد مأمور بالعمل بما يؤدى إليه اجتهاده فحرم عليه تقليد غيره لكن لا ينبغي أن يعجل بالقضاء ما لم يقض حق التأمل والاجتهاد وينكشف له وجه الحق فإذا ظهر له الحق باجتهاده قضى بما يؤدى إليه اجتهاده ولا يكونن خائفا في اجتهاده بعدما بذل مجهوده لإصابة الحق فلا يقولن انى أرى وانى أخاف لان الخوف والشك والظن يمنع من إصابة الحق ويمنع من الاجتهاد فينبغي أن يكون جريئا جسورا على الاجتهاد بعد ان لم يقصر في طلب الحق حتى لو قضى مجازفا لم يصح قضاؤه فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى وإن كان من أهل الاجتهاد الا انه إذا كان لا يدرى حاله يحمل على أنه قضى برأيه ويحكم بالصحة حملا لأمر المسلم على الصحة والسداد ما أمكن والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا كان القاضي من أهل الاجتهاد فاما إذا لم يكن من أهل الاجتهاد فان عرف أقاويل أصحابنا وحفظها على الاختلاف والاتفاق عمل بقول من يعتقد قوله حقا على التقليد وان لم يحفظ أقاويلهم عمل بفتوى أهل الفقه في بلده من أصحابنا وان لم يكن في البلد الا فقيه واحد من أصحابنا من قال يسعه أن يأخذ بقوله ونرجو أن لا يكون عليه شئ لأنه إذا لم يكن من أهل الاجتهاد بنفسه وليس هناك سواه من أهل الفقه مست الضرورة إلى الاخذ بقوله قال الله تبارك وتعالى فسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ولو قضى بمذهب خصمه وهو يعلم ذلك لا ينفذ قضاؤه لأنه قضى بما هو باطل عنده في اعتقاده فلا ينفذ كما لو كان مجتهدا فترك رأى نفسه وقضى برأي مجتهد يرى رأيه باطلا فإنه لا ينفذ قضاؤه لأنه قضى بما هو باطل في اجتهاده كذا هذا ولو نسي القاضي مذهبه فقضى بشئ على ظن أنه مذهب نفسه ثم تبين أنه مذهب خصمه ذكر في شرح الطحاوي أن له أن يبطله ولم يذكر الخلاف لأنه إذا لم يكن مجتهدا تبين أنه قضى بما لا يعتقده حقا فتبين انه وقع باطلا كما لو قضى وهو يعلم أن ذلك مذهب خصمه وذكر في أدب القاضي انه يصح قضاؤه عند أبي حنيفة وعندهما لا يصح لهما أن القاضي مقصر لأنه يمكنه حفظ مذهب نفسه وإذا لم يحفظ فقد قصر والمقصر غير معذور ولأبي حنيفة ان النسيان غالب خصوصا عند تزاحم الحوادث فكان معذورا هذا إذا لم يكن القاضي من أهل الاجتهاد فاما إذا كان من أهل الاجتهاد ينبغي أن يصح قضاؤه في الحكم بالاجماع ولا يكون لقاض آخر ان يبطله لأنه لا يصدق على النسيان بل يحمل على أنه اجتهد فادى اجتهاده إلى مذهب خصمه فقضى به فيكون قضاؤه باجتهاده فيصح وان قضى في حادثة وهي محل الاجتهاد برأيه ثم رفعت إليه ثانيا فتحول رأيه يعمل بالرأي الثاني ولا يوجب هذا نقض الحكم بالرأي الأول لان القضاء بالرأي الأول قضاء مجمع على جوازه لاتفاق أهل الاجتهاد على أن للقاضي أن يقضى في محل الاجتهاد وبما يؤدى إليه اجتهاده فكان هذا قضاء متفقا على صحته ولا اتفاق على صحة هذا الرأي الثاني فلا يجوز نقض المجمع عليه بالمختلف ولهذا لا يجوز لقاضي آخر ان يبطل هذا القضاء كذا هذا وقد روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه انه قضى في حادثة ثم قضى فيها بخلاف تلك القضية فسئل فقال تلك كما قضينا وهذه كما نقضي ولو رفعت إليه ثالثا فتحول رأيه إلى الأول يعمل به ولا يبطل قضاؤه بالرأي الثاني بالعمل بالرأي الأول كما لا يبطل قضاؤه الأول بالعمل بالرأي الثاني لما قلنا ولو أن فقيها قال لامرأته أنت طالق البتة ومن رأيه انه بائن فأمضى رأيه فيما بينه فيما بينه وبين امرأته وعزم على
(٥)