مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٥٤٢
تنبيه: محل صحة إجارتها إذا كان من غيرها، أما إذا أجرها نفسها فإنه لا يصح، بخلاف بيعها من نفسها كما سيأتي. ولو مات السيد بعد أن أجرها انفسخت الإجارة، فإن قيل: لو أعتق رقيقه المؤجر لم تنفسخ فيه الإجارة فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن السيد في العبد لا يملك منفعة الإجارة، فإعتاقه ينزل على ما يملكه، وأم الولد ملكت نفسها بموت سيدها فانفسخت الإجارة في المستقبل. ويؤخذ من هذا أنه لو أجرها ثم أحبلها ثم مات لا تنفسخ الإجارة، وهو كذلك. (وكذا) له (تزويجها بغير إذنها في الأصح) لبقاء ملكه عليها وعلى منافعها، فملك تزويجها كالمدبرة. والثاني: لا يجوز إلا بإذنها، كالمكاتبة. والثالث: لا يجوز وإن أذنت لأنها ناقصة في نفسها وولاية السيد ناقصة، فأشبهت الصغيرة لا يزوجها الأخ بإذنها. ولو عبر المصنف بالأظهر لكان أولى، فإن الخلاف أقوال كما ذكراه في الروضة وأصلها. وله تزويج بنتها جبرا لما مر في أمها، ولا حاجة إلى استبرائها، بخلافه لفرشها، ولا يجبر ابنها على النكاح ، ولا له أن ينكح بلا إذن السيد، وبإذنه يجوز. وعلى الأول يستثنى الكافر فلا يزوج مستولدته المسلمة على الأصح.
وما استثناه البغوي من أن المبعض لا يزوج مستولدته ممنوع كما قاله البلقيني، لأن السيد يزوج أمته بالملك لا بالولاية.
(ويحرم) ويبطل (بيعها ورهنها وهبتها) لخبر الدارقطني السابق في الأولى والثالث، ولأنها لا تقبل النقل فيهما، وقياسا للثاني عليهما، ولان فيه تسليطا على المبيع وقد قام الاجماع على عدم صحة بيعها. واشتهر عن علي رضي الله عنه أنه خطب يوما على المنبر فقال في أثناء خطبته: اجتمع رأيي ورأي عمر على أن أمهات الأولاد لا يبعن، وأنا الآن أرى بيعهن. فقال عبيدة السلماني: رأيك مع رأي عمر - وفي رواية: مع الجماعة - أحب إلينا من رأيك وحدك. فقال:
اقضوا فيه ما أنتم قاضون، فإني أكره أن أخالف الجماعة. فلو حكم حاكم بصحة بيعها نقض حكمه لمخالفته الاجماع.
وما كان في بيعها من خلاف بين القرن الأول فقد انقطع وصار مجمعا على منعه. وأما خبر أبي داود وغيره عن جابر:
كنا نبيع أمهات سرارينا أمهات الأولاد والنبي (ص) حي لا نرى بذلك بأسا الذي استدل به القديم على جواز البيع، فأجيب عنه بجوابين: الأول أنه منسوخ، الثاني: أن هذا منسوب إلى النبي (ص) استدلالا واجتهادا فيقدم عليه ما نسب فيه قولا ونصا وهو الحديث السابق عن الدارقطني. وقيل: إن النبي (ص) لم يعلم بذلك كما قال ابن عمر: كنا نخابر أربعين سنة لا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج أن النبي (ص) نهى عن المخابرة فتركناها.
فائدة: قد ناظر في هذه المسألة أبو بكر بن داود بن سريج، فقال أبو بكر: أجمعنا على أنها قبل أمية الولد كانت تباع فيستصحب هذا الاجماع إلى أن يثبت ما يخالفه، فقال له ابن سريج: أجمعنا على أنها حين كانت حاملا بحر لا تباع فيستصحب هذا الاجماع القريب إلى أن يثبت ما يخالفه، فأفحمه.
تنبيه: قد يقتضي كلام المصنف منع كتابته، لأن الكتابة اعتياض عن الرقبة، ونقله الروياني عن النص، ولكن الأصح كما في الرافعي الجواز. وأشعر قرنه البيع بالهبة أنه حيث حرم بيعها حرم هبتها وعكسه، لكن استثنى منه المرهونة والجانية فإنه يجوز بيعها ولا تجوز هبتها. ويستثنى من إطلاقه منع بيعها من نفسها بناء على أنه عقد عتاقة، وهو الأصح، وكبيعها في ذلك هبتها كما صرح به البلقيني بخلاف الوصية به لاحتياجها إلى القبول، وهو إنما يكون بعد الموت وعتقها يقع عقبه. وليس له بيعها ممن تعتق عليه، ولا يشرط العتق ولا ممن أقر بحريتها، فإنا ولو قلنا هو من جهة المشترى افتداء وبيع من جهة البائع يثبت له فيها الخيار ففيه نقل مالك كالصورتين الأولتين. ويؤخذ من البناء المار في بيعها من نفسها أن محله إذا كان السيد حر الكل، أما إذا كان مبعضا فإنه لا يصح لأنه عقد عتاقة كما مر وهو ليس من أهل الولاء، وهذا مأخوذ من كلامهم وإن لم أر من ذكره. والهبة كالبيع فيما ذكر. وهذا كله إذا لم يرتفع الايلاد، فإن ارتفع بأن كانت كافرة وليست لمسلم وسبيت وصارت قنة فإنه يصح جميع التصرفات فيها، فلو عادت لملكها بعد ذلك لم يعد الاستيلاد، لأنا أبطلناه بالكلية، بخلاف المستولدة المرهونة إذا بيعت ثم ملكها الراهن لأنا إنما أبطلنا الاستيلاد فيها بالنسبة إلى المرتهن
(٥٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 537 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548