مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٥٤٤
بها تحسب من الثلث، لأن هذا إتلاف حصل بالاستمتاع فأشبه إنفاق المال في الملذات والشهوات.
خاتمة: لو وطئ شريكان أمة لهما وأتت بولد وادعيا استبراء وحلفا فلا نسب ولا استيلاد، وإن لم يدعيا فله أحوال، أحدها: أن لا يمكن كونه من أحدهما بأن ولدته لأكثر من أربع سنين من وطئ الأول ولاقل من ستة أشهر من وطئ الثاني، أو لأكثر من أربع سنين من آخرهما وطأ فكما لو ادعيا الاستبراء، الحال الثاني: أن يمكن كونه من الأول دون الثاني، بأن ولدته لما بين أقل من مدة الحمل وأكثرها من وطئ الأول ولما دون أقل مدة الحمل من وطئ الثاني فيلحق بالأول ويثبت الاستيلاد في نصيبه، ولا سراية إن كان معسرا ويسري إن كان موسرا. الحال الثالث: أن يمكن أن يكون من الثاني دون الأول بأن ولدته لأكثر من أربع سنين من وطئ الأول ولما بين ستة أشهر وأربع سنين من وطئ الثاني فيلحق بالثاني ويثبت الاستيلاد في نصيبه، ولا سراية إن كان معسرا وإن كان موسرا سرى.
الحال الرابع: أن يمكن كونه من كل واحد بأن ولدته لما بين ستة أشهر وأربع سنين من وطئ كل واحد منهما وادعياه أو أحدهما فيعرض على القائف، فإن تعذر أمر بالانتساب إذا بلغ، وإن أتت لكل واحد منهما بولد وهما موسران وادعى كل منهما أن إيلاده قبل إيلاد الآخر لها ليسري إيلاده إلى بقيتها، فإن حصل اليأس من بيان القبلية عتقت بموتها لاتفاقهما على العتق، ولا يعتق بعضها بموت أحدهما لجواز كونها مستولدة للآخر، ونفقتها في الحياة عليهما، ويوقف الولاء بين عصبتيهما لعدم المرجح. وإن كانا معسرين يثبت الاستيلاد لكل واحد في قدر نصيبه، فإذا مات أحدهما عتق نصيبه وأولاده لعصبته، فإذا ماتا عتقت كلها والولاء لعصبتهما بالسوية، وإن كان أحدهما موسرا فقط ثبت إيلاده في نصيبه والنزاع في نصيب المعسر فنصف نفقتها على المعسر ونصفها الآخر بينهما. ثم إن مات الموسر أولا عتق نصيبه وولاؤه لعصبته، فإذا مات المعسر بعده عتق نصيبه ووقف ولاؤه بين عصبتهما، وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شئ، فإذا مات الموسر بعده عتقت كلها وولاء نصفها لعصبته ووقف ولاء النصف الآخر. أما لو ادعى كل منهما سبق الآخر وهما موسران أو أحدهما موسر فقط، ففي الروضة كأصلها عن البغوي: يتحالفان ثم ينفقان عليها، فإذا مات أحدهم في الصورة الأولى لم يعتق نصيبه لاحتمال صدقه وعتق نصيب الحي لاقراره ووقف ولاؤه، فإذا مات عتقت كلها ووقف ولاء الكل. وإذا مات الموسر في الثانية أولا عتقت كلها نصيبه بموته وولاؤه لعصبته ونصيب المعسر بإقراره ووقف ولاؤه. وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شئ لاحتمال سبق الموسر، فإذا مات الموسر عتقت كلها وولاء نصيبه لعصبته وولاء نصيب المعسر موقوف. ولو كانا معسرين فكما لو ادعى كل منهما أنه أولدها قبل استيلاد الآخر لها، وقد تقدم حكمه، والعبرة باليسار والاعسار بوقت الاحبال. ولو عجز السيد عن نفقة أم ولده أجبر على تخليتها لتكسب وتنفق على نفسها أو على إيجارها، ولا يجبر على عتقها أو تزويجها، كما لا يرتفع ملك اليمين بالعجز عن الاستمتاع، فإن عجزت عن الكسب فنفقتها في بيت المال كما مر في النفقات، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
وهذا آخر ما يسره الله تعالى من مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج فدونك مولفا كأنه سبيكة عسجد أو در منضد، محررا لدلائل هذا الفن، مظهرا لدقائق استعملنا الفكر فيها إذا الليل جن، فإن ظفرت بفائدة فادع بالتجاوز والمغفرة، أو بزلة قلم أو لسان فافتح لها باب التجاوز والمعذرة:
فلا بد من عيب فإن تجدنه * فسامح وكن بالستر أعظم مفضل فمن ذا الذي ما ساء قط ومن له * المحاسن قد تمت، سوى خير مرسل فأسأل الله الكريم الذي به الضر والنفع، ومنه الاعطاء والمنع، أن يجعله لوجهه خالصا، وأن يتداركني بألطافه إذا الظل أضحى في القيامة قالصا، وأن يخفف عني كل تعب ومؤنة، وأن يمدني بحسن المعونة، وأن يرحم ضعفي كما علمه، وأن يحشرني في زمرة من رحمه، أنا ووالدي وأولادي وأقاربي ومشايخي وأحبابي وأحبائي وجميع المسلمين، بمحمد وآله وصحابته أجمعين.
ونختم هذا الشرح بما ختم به الرافعي كتابه المحرر بقوله: اللهم كما ختمنا بالعتق كتابنا، نرجو أن تعتق من النار رقابنا، وأن تجعل إلى الجنة مآبنا، وأن تسهل عند سؤال الملكين جوابنا، وإلى رضوانك إيابنا. اللهم بفضلك حقق رجاءنا، ولا تخيب دعاءنا، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
(٥٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 548 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548