وهما سواء عند احمد وأصحابه، ولا ترجح المرأة هنا كما ترجح في حضانة ولدها على أبيه لأنها رجحت هناك لشفقتها على ولدها وتوليها لحضانته بنفسها، والأب يحضنه بأجنبية، فكانت أمه أحظ له وأرفق به، أما ههنا فإنها أجنبية من اللقيط والرجل يحضنه بأجنبية فاستويا على القول بالتساوي، أو رجح الرجل على الأصح فإن كان أحدهما مستور الحال والاخر ظاهر العدالة رجح السلطان العدل على المستور، لان المانع من الالتقاط منتف في حقه والاخر مشكوك فيه، فيكون الحظ للطفل في تسليمه إليه أثم، ويحتمل أن يساوى السلطان بينهما بالقرعة لان احتمال وجود المانع لا يؤثر في المنع فلا يؤثر في الترجيح، والامر متروك إلى اجتهاد الحاكم الذي ليس له أن يسلم إلى ثالث لم يثبت له حق الالقاط.
وقال أبو علي بن خيران: يجتهد الحاكم في اختيار الاحظ للطفل والأجدى عليه والأحفظ وليس له أن يقرع بينهما وليس هذا بالمذهب بل المذهب الاقراع (فرع) وان رأياه جميعا فسبق أحدهما فأخذه أو وضع يده عليه فهو أحق به لقوله صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) وان رآه أحدهما قبل صاحبه فسبق إلى أخذه الآخر، فالسابق إلى أخذه أحق، لان الالتقاط هو الاخذ لا الرؤية، ولو قال أحدهما لصاحبه: ناولنيه، فأخذه الآخر نظرت إلى نيته، فان نوى أخذه لنفسه فهو أحق به، كما لو لم يأمره الاخر بمناولته إياه، وان نوى مناولته فهو للآمر لأنه فعل ذلك بنية النيابة عنه، فأشبه ما لو توكل له في تحصيل مباح.
فان اختلفا فقال كل واحد منهما: أنا التقطته ولا بينة لأحدهما، وكان في يد أحدهما، فالقول قوله مع يمينه أنه التقطه، وهذا هو المذهب عند أصحاب أحمد كما ذكره أبو الخطاب، وقد خالفه القاضي وجعل قياس مذهب أحمد أنه لا يحلف كما في الطلاق والنكاح.
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم (لو يعطى الناس بدعواهم لا دعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه) رواه مسلم، فإن كان في يديهما تحالفا فان حلفا أو نكلا صارا كالملتقطين ويقرع السلطان بينهما على المذهب.