(أحدهما) يصح كما يصح أن يختار الكون مع أحد الأبوين إذا صار مميزا.
(والثاني) لا يصح لأنه قول يتعين به النسب ويلزم الأحكام به، فلا يقبل من الصبي، ويخالف اختيار الكون مع أحد الأبوين، لان ذلك غير لازم، ولهذا لم اختار أحدهما ثم انتقل إلى الاخر جاز، ولا يجوز ذلك في النسب، وإن كان لأحدهما بينه قدمت على القافة، لان البينة تخبر عن سماع أو مشاهدة والقافة تخبر عن اجتهاد، فإن كان لكل واحد منهما بينه فهما متعارضتان لأنه لا يجوز أن يكون الولد من اثنين، ففي أحد القولين يسقطان ويكون كما لو لم تكن بينة، وقد بيناه، وفى الثاني تستعملان، فعلى هذا هل يقرع بينهما، فيه وجهان.
أحدهما: يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة قضى له، لأنه لا يمكن قسمة الولد بينهما، ولا يمكن الوقف، لان فيه اضرارا باللقيط فوجبت القرعة.
والثاني: لا يقرع، لان معنا ما هو أقوى من القرعة وهو القافة، فعلى هذا يصير كما لو لم يكن لهما بينة، وليس في موضع تسقط الأقوال الثلاثة في استعمال البينتين الا في هذا الموضع على هذا المذهب.
وان تداعت امرأتان نسبه وقلنا: إنه يصح دعوى المرأة ولم تكن بينة، فهل يعرض على القافة، فيه وجهان (أحدهما) يعرض، لان الولد يأخذ الشبه من الام كما يأخذ من الأب، فإذا جاز الرجوع إلى القافة في تمييز الأب من غيره بالشبه جاز في تمييز الام من غيرها (والثاني) لا يعرض لان الولد يمكن معرفة أمه يقينا فلم يرجع فيه إلى القافة بخلاف الأب فإنه لا يمكن معرفته الا ظنا فجاز أن يرجع فيه إلى الشبه.
(فصل) وان ادعى رجل رق اللقيط لم يقبل الا ببينة، لان الأصل هو الحرية فان شهدت له البينة نظرت، فان شهدت له بأنه ولدته أمته فقد قال في اللقيط: جعلته له. وقال في الدعوى والبينات: أن شهدت له بأنه ولدته أمته في في ملكه جعلته له، فمن أصحابنا من قال يجعل له قولا واحدا، وان لم تقل ولدته في ملكه، وما قال في الدعوى والبينات ذكره تأكيدا لا شرطا لان ما تأتى به أمته من غيره لا يكون الا مملوكا له.