قال في الفتح: ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها. وأما قوله في الحديث (فإن لم تعرف فاستنفقها) فقد قال يحيى بن سعيد الأنصاري: لا أدري هذا في الحديث أم هو شئ من عند يزيد مولى المنبعث (وهو الراوي عن زيد بن خالد) كما حكى البخاري ذلك عن يحيى، وتعقب ابن حجر هذا في الفتح فقال: شك يحيى هل قوله (ولتكن وديعة عنده) مرفوع أم لا، وهو القدر المشار إليه بهذا دون ما قبله لثبوت ما قبله في أكثر الروايات، وخلوها عن ذكر الوديعة، وقد جزم يحيى بن سعيد برفعه مرة أخرى كما في صحيح مسلم بلفظ (فاستنفقها ولتكن وديعة عندك) وكذلك جزم يرفعها خالد بن مخلد عن سليمان عن ربيعه عند مسلم، وقد أشار البخاري إلى رجحان رفعها فترجم باب إذا جاء صاحب اللقطة ردها عليه لأنها وديعة عنده، والمراد بكونها وديعة أنه يجب ردها فتجوز بذكر الوديعة عن وجوب رد بدلها بعد الاستنفاق، لا أنها وديعة حقيقة يجب رد عينها، لان المأذون في استنفاقه لا تبقى عينه، كذا أفاده ابن دقيق العيد قال: ويحتمل أن تكون الواو في قوله (ولتكن وديعة) بمعنى أو، أي إما أن تستنفقها وتغرم بدلها، وإما أن تتركها عندك على سبيل الوديعة حتى يجئ صاحبها فتعطيها إياه ويستفاد من تسميتها وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها، وهو اختيار البخاري تبعا لجماعة من السلف.
(فرع) روينا عن أحمد وأبى داود عن جابر بن عبد الله قال (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به) وفى إسناده المغيرة بن زياد، قال المنذري. تكل فيه غير واحد، وفى التقريب: صدوق له أوهام وفى الخلاصة: وثقة وكيع وابن عدي وغيرهم.
وقال أبو حاتم: شيخ لا يحتج به، وفيه جواز الانتفاع بما يوجد في الطرقات من المحقرات لا سيما إذا كان هذا الشئ الحقير مأكولا لما في حديث أنس الذي ساقه المصنف، فإنه يجوز أكله ولا يجب التعريف به أصلا كالتمرة ونحوها لان النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أنه لم يمنعه من أكل التمرة إلا خشية أن تكون من الصدقة، ولولا ذلك لاكلها.