فيه من الرجوع إلى عرف أو قرعة، فعلى هذا إن كان مخرج المال أحدهما كان هو البادئ بالرمي اعتبارا بالعرف وفيه، وجه آخر أنه يقرع بينهما، فإن كانا مخرجين للمال أقرع بينهما لتكافئهما وهل يدخل المحلل في قرعتهما أو يتأخر عنهما على وجهين (أحدهما) يتأخر ولا يدخل في القرعة إذا قيل: إن مخرج المال يستحق التقدم (والوجه الثاني) يدخل في القرعة ولا يتأخر إذا قبل: إن مخرج المال لا يتقدم إلا بالقرعة.
قال الشافعي رضي الله عنه: وقد جرت الرماة أن يكون الرامي الثاني يتقدم على الأول بخطوة أو خطوتين أو ثلاث وهذا معتبر بعرف الرماة وعادتهم فإن كانت مختلفة فيه، يفعلونه تارة ويسقطونه أخرى سقط اعتباره ووجب التساوي فيه، وإن كانت عادتهم جارية لا يختلفون فيها ففي لزوم اعتباره بينهما وجهان. أحدهما: لا يعتبر لوجوب تكافئهما في العقد فلم يجز أن يتقدم أحدهما على الاخر بشئ لأنه يصير مصيبا بتقدمه لا لحذقه. والوجه الثاني: يعتبر ذلك فيها، لان العرف في العقود كإطلاق الأعيان، فعلى هذا إن لم يختلف عرفهم في عدد الاقدام حملا على العرف في عددها ليكون القرب بالاقدام في مقابلة قوة النفس تقدم أحدهما على الاخر بما لا يستحق لم يحتسب له بصوابه واحتسب عليه بخطئه.
وقال الشافعي رضي الله عنه: وأيهما بدأ من وجه بدأ صاحبه من الاخر.
قال الماوردي: عادة الرماة في الهدف مختلفة على وجهين وكلاهما جائز، فمنهم من يرمى بين هدفين متقابلين فيقف أحد الحزبين في هدف يرمى منه إلى الهدف الاخر ويقف الحزب الاخر في الهدف المقابل فيرمى إلى الهدف الاخر اه.
(قلت) والحكمة في أن يتقدم أحدهما الاخر وان لا يرميا سويا هو أن التساوي في الرمي مفض إلى الاختلاف في الإصابة حيث لا يعرف من المصيب منهما ومن ثم توجه ما مضى من أقوال وبهذا كله أخذ أحمد وأصحابه.
فإذا تشاحا في موضع الوقوف، فإن كان ما طلبه أحدهما أولى مثل أن يكون في أحد الموقفين يستقبل الشمس أو ريحا تؤذيه باستقبالها ونحو ذلك، والاخر يستدبرها قدم قول من طلب استدبارها لأنه العرف في الرمي والله تعالى اعلم.