أما خبر عقبة بن عامر فهو ثابت من سيرته أنه لم يثبت عن أحد غيره الرمي إلى أربعمائة ذراع وهو أحد ولاة مصر بعد عمرو وتوفى في آخر خلافة معاوية روى عنه من الصحابة جابر وابن عباس وأبو أمامة ومسلمة بن مخلد ورواته من التابعين لا يحصون، وقد غلط ابن الخياط عندما قال: إنه قتل شهيدا في معركة النهروان، ومعركة النهروان كانت سنة ثمان وثلاثين وقد كان بعد ذلك واليا على مصر بعد سنة خمسين:
أما الأحكام: فإن الشرط الرابع من شروط الرمي أن تكون المسافة بين موقف الرامي والهدف معلومة، لان الإصابة تكثر مع قرب المسافة وتقل مع بعدها فلزم العلم بها وأبعد ما في العرف ثلاثمائة ذراع، وأقلها ما يحتمل أن يصاب وأن لا يصاب، فإن أغفلا مسافة الرمي فلها ثلاثة أحوال.
(إحداها) ان لا يكون للرماة هدف منصوب ولا لهم علف معهود فيكون العقد باطلا للجهالة.
(والثانية) أن يكون للرماة الحاضرين هدف منصوب وللرماة فيه موقف معروف فيصح العقد ويكون متوجها إلى الهدف الحاضر من الموقف المشاهد، والرماة يسمون موقف الوجه.
(والثالثة) أن لا يكون لهم هدف منصوب ولكن لهم عرف معهود، ففيه وجهان، أصحهما يصح العقد مع الاطلاق، ويحملان فيه على العرف المعهود كما يحمل إطلاق الأثمان على غالب النقد المعهود، والوجه الثاني: أن العقد باطل، لان حذق الرماة يختلف فاختلف لأجله حكم الهدف فلم يصح حتى يوصف.
(والشرط الخامس) الذي تضمنه هذان الفصلان من كلام المصنف أن يكون الغرض أو الهدف معلوما لأنه المقصود بالإصابة، أما الهدف فهو تراب يجمعونه أو حائط بيت، وقد قيل من صنف فقد استهدف لأنه يرمى بالأقايل من الحاسدين والناقضين وأما الغرض فهو جلد أو شن بال ينصب في الهدف ويختص بالإصابة وربما جعل في الغرض دارة كالهلال تختص بالإصابة ممن يحمله الغرض وهي الغاية في المقصود من حذق الرماة، وإذا كان كذلك فالعلم بالغرض يكون من ثلاثة أوجه.