ان شاء أقبضها وأمضاها وان شاء رجع فيها ومنعها، فان قبضها الموهوب له قبل اذنه لم تتم الهبة ولم يصح القبض.
وحكى عن أبي حنيفة انه إذا قبضها في المجلس صح، وان لم يأذن له، لان الهبة قامت مقام الاذن في القبض لكونها دالة على رضاه بالتمليك الذي لا يتم الا بالقبض.
ومذهب الشافعي واحمد رضي الله عنهما انه قبض الهبة بغير اذن الواهب فلم يصح كما بعد في المجلس، أو كما لو نهاه عن قبضها، ولان التسليم غير مستحق على الواهب فلا يصح التسليم الا باذنه، كما لو اخذ المشترى المبيع من البائع قبل تسليم ثمنه، ولا يصح جعل الهبة اذنا في القبض بدليل ما بعد المجلس، ولو اذن الواهب في القبض ثم رجع عن الاذن أو رجع في الهبة صح رجوعه لان ذلك ليس بقبض. وان رجع بعد القبض لم ينفع رجوعه، لان الهبة قد تمت إذا عرف هذا عرف ان شرط الهبة الايجاب، كوهبتك وملكتك ومنحتك وأكرمتك وعظمتك ونحلتك، وكذا أطعمتك ولو في غير طعام كما نص عليه، وقبول، كقبلت ورضيت واتهبت متلفظا بإحدى هذه الكلمات أو بإشارة من اخرس مفهومه في حقه بالقبول، لان القبول ينعقد بالكناية. ومن أركانها أن يكون القبول مطابقا للايجاب، ومن أركانها اعتبار الفور في الصيغة، ولا يضر الفصل. نعم في الاكتفاء بالاذن قبل وجود القبول نظر، لأننا إذا تصورنا ان الواهب لا يفترق عن الراهن عند تقديمه المعين إلى المتهب الا في الصيغة، تبين لنا أهمية الصيغة وضرورتها عند العقد واعتبار القبول على الفور لفظا، ولا يكفي لفظ يحتمل القبول والرفض الا إذا اقترن اللفظ بالقبض وتسليط اليد، كقوله شكرا فإنه لفظ يحتمل الاعتذار عن قبول الهبة ويحتمل القبول وأفتى بعض الأصحاب فيمن بعث بنته وجهازها إلى دار الزوج بأنه ان قال هذا جهاز بنتي فهو ملك لها، والا فهو عارية ويصدق بيمينه ولا يشترط الايجاب والقبول في الصدقة بل يكفي الاعطاء والاخذ، ولا في الهدية بل يكفي البعث من هذا ويكون كالايجاب والقبض من ذلك، ويكون كالقبول لجريان عادة السلف بل الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ومع ذلك كانوا يتصرفون فيه