وقال أصحاب الرأي لا تصح هبة المشاع الذي يمكن قسمته لان القبض شرط في الهبة، ووجوب القسمة يمنع صحة القبض وتمامه، فإن كان مما لا يمكن قسمته صحت هبته لعدم ذلك فيه، وإن وهب وأحد اثنين شيئا مما ينقسم لم يجز عند أبي حنيفة، وجاز عند صاحبيه، وان وهب اثنان اثنين شيئا مما ينقسم لم يصح في قياس قولهم، لان كل واحد من المتهبين قد وهب له جزء مشاع.
ولنا حديث عمرو بن سلمة في الفصل، ولأنه يجوز بيعه فجازت هبته كالذي لا ينقسم، ولأنه مشاع فأشبه ما لا ينقسم. وقولهم: إن وجوب القسمة يمنع صحة القبض لا يصح، فإنه لم يمنع صحته في البيع فكذا ههنا، ومتى كانت الهبة لاثنين فقبضاه بإذنه ثبت ملكهما فيه، وإن قبضه أحدهما ثبت الملك في نصيبه أما قوله ما جاز بيعه من الأعيان جاز هبته، فظاهر في عموم ثبوت الملك بالقبض بالهبة فيما يجوز امتلاكه بالعوض، والجواز هنا اعتبار الشئ في حق حكمه، وأما صحته بانعقاد اللفظ بحيث إذا انضم إليه القبض اعتبر، ويثبت حكمه وفى معنى البيع، قال الشافعي رضي الله عنه ولو تغيرت عند الموهوب له بزيادة كان له أخذها وكان كالرجل يبيع الشئ وله فيه الخيار.
ولما كانت الهبة تمليكا لمعين في الحياة لم يجز تعليقها على شرط كالبيع، فان علقها على شرط كقول النبي صلى الله عليه وسلم لام سلمة (إن رجعت هديتنا إلى النجاشي فهي لك) كان وعدا، وإن شرط في الهبة شروطا تنافى مقتضاها نحو أن يقول وهبتك هذا بشرط أم لا، تهبه أو لا تبيعه أو بشرط أن تهبه أو تبيعه أو بشرط أن تهب فلانا شيئا لم يصح. وفى حصة الهبة وجهان على الشروط الفاسدة في البيع، وان وقت الهبة، فقال وهبتك هذا سنة ثم يعود إلى لم يصح، لأنه عقد تمليك لعين فلم يصح مؤقتا.
وجملة ذلك أن التمليك إذا كان لعين بغير عوض عن غير احتياج كان هبة، فإن كان عن احتياج فصدقة، فإن كان للمنفعة بغير عوض فعارية أو بعوض فإجارة وإن كان للعين بعوض فبيع.
(فرع) لا يجوز هبة المجهول أو غير المملوك أو جعله في الذمة. قال النووي