أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من استأجر أجيرا فليعلمه أجره) ولأنه عقد معاوضة فلم يجز بعوض مجهول كالبيع، وان عقد بمال جزاف نظرت، فإن كان العقد على منفعة في الذمة ففيه قولان، لان إجارة المنفعة في الذمة كالسلم، وفى السلم على مال جزاف قولان، فكذلك في الإجارة، فإن كان العقد على منفعة معينه ففيه طريقان، من أصحابنا من قال يجوز قولا واحدا، لان إجارة العين كبيع العين، وفى بيع العين يجوز أن يكون العوض جزافا قولا واحدا، فكذلك في الإجارة، ومنهم من قال: فيه قولان (أحدهما) يجوز (والثاني) لا يجوز، لأنه عقد على منتظر، وربما انفسخ فيحتاج إلى الرجوع إلى العوض، فكان في عوضه جزافا قولان كالسلم.
وإن كانت الإجارة على منفعة معينه جاز بأجرة حالة ومؤجلة، لان إجارة العين كبيع العين، وبيع العين يصح بثمن حال ومؤجل، فكذلك الإجارة، فإن أطلق العقد وجبت الأجرة بالعقد، ويجب تسليمها بتسليم العين، لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف رشحه).
ولان الإجارة كالبيع ثم في البيع يجب الثمن بنفس العقد ويجب تسليمه بتسليم العين، فكذلك في الإجارة، فإن استوفى المنفعة استقرت الأجرة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال ربكم عز وجل:
ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره ولأنه قبض المعقود عليه فاستقر عليه البدل كما لو قبض المبيع، فان سلم إليه العين التي وقع العقد على منفعتها ومضت مدة يمكن فيها الاستيفاء استقر البدل لان المعقود عليه تلف تحت يده فاستقر عليه البدل كالمبيع إذا تلف في يد المشترى فان عرض العين على المستأجر ومضى زمان يمكن فيه الاستيفاء استقرت الأجرة لان المنافع تلفت باختياره فاستقر عليه ضمانها كالمشتري إذا أتلف المبيع في يد البائع.
فإن كان هذا في إجارة فاسدة استقر عليه أجرة المثل، لان الإجارة كالبيع