قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) ولا يجوز لاحد أن يحمى مواتا ليمنع الاحياء ورعى ما فيه من الكلأ. لما روى الصعب بن جثامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا حمى إلا لله ولرسوله) فأما الرسول عليه السلام فإنه كان يجوز له أن يحمى لنفسه وللمسلمين، فأما لنفسه فإنه ما حمى ولكنه حمى للمسلمين. والدليل عليه ما روى ابن عمر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين) وأما غيره من الأئمة فلا يجوز أن يحمى لنفسه للخبر. وهل يجوز أن حمى لخيل المجاهدين، ونعم الجزية، وإبل الصدقة وماشية من يضعف عن الابعاد في طلب النجعة؟ فيه قولان:
أحدهما لا يجوز للخبر. والثاني يجوز لما روى عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: أتى أعرابي من أهل نجد عمر فقال: يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الاسلام، فعلام تحميها؟ فأطرق عمر رضي الله عنه وجعل ينفخ ويفتل شاربه وكان إذا كره أمرا فتل شاربه ونفخ فلما رأى الاعرابي ما به جعل يردد ذلك: فقال عمر: المال مال الله. والعباد عباد الله، فلولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبرا في شبر) قال مالك: نبئت أنه كان يحمل في كل عام أربعين ألفا من الظهر، وقال مرة من الخيل.
وروى زيد بن أسلم عن أبيه (أن عمر رضي الله عنه استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى وقال له، يا هني اضمم جناحك عن الناس، واتق دعوة المظلوم، فان دعوة المظلوم مجابة. وأدخل رب الصريمة والغنيمة. وإياك ونعم ابن عوف. وإياك ونعم ابن عفان، فإنهما ان تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع وان رب الصريمة ورب الغنيمة ان تهلك ماشيتهما فيأتياني فيقولا: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبا لك، ان الماء والكلأ أيسر عندي من الذهب والورق، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله