(والقول الثاني) يجوز له أن يحيى لما فيه من صلاح المسلمين، ولما روى أن أبا بكر رضي الله عنه حمى الربذة لإبل الصدقة واستعمل عليها مولاه أبا أسامة وتولى عليه قطبة بن مالك الثعلبي رضي الله عنه وحمى عمر رضي الله عنه الشرف فحمى منه نحو ما حمى أبو بكر بالربذة، وولى عليه مولى له يقال له: هنئ وقال:
يا هنى اضمم جناحك على المسلمين واتق دعوة المظلوم فإن دعوه المظلوم مستجابة وأدخل رب الصريمة وهي بالتصغير القطعة من الإبل نحو الثلاثين أو ما بين العشرة إلى الأربعين ورب الغنيمة ما بين الأربعين إلى المائة من الشاء والغنم وتفرد به راع واحد وإياي ونعم ابن عوف يعنى عبد الرحمن ونعم ابن عفان يعنى عثمان فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع، ورب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببنيه يقول: يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبالك، فالماء والكلأ أيسر من الذهب والورق وعمر بهذا يلزم نفسه ويلزم أمراء المسلمين بعده بأن عليهم عوض ما هلك من أموال الرعية بسبب تقصيرهم في حفظ أموالهم وعنده أن توفير المرعى والكلأ أيسر من توفير الذهب والفضة يبذلهما في تعويض ما تلف على رب الصريمة والغنيمة ثم يقول:
وأيم الله إنهم ليرون أنى قد ظلمتهم، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الاسلام.
وهكذا يعطى تقويما صحيحا وتقديرا سليما لمقومات الوطنية عند الشعب وهم الرعية ومقومات الديموقراطية والعدل عند الحاكم حين يسمح لرعيته أن يتهموه بالظلم إذا قصرت الدولة في بذل الخدمات وتأمين سلامة الرعية وهو حمى من أرضهم جزءا للمرعى فيجب ألا يسمح للأغنياء والقادرين أن يزاحموهم في مراعيهم لان لهم من بساتينهم ومزارعهم غنية عن مزاحمة الفقراء.
والحمى فيه نفع للفقراء والأغنياء، أما الفقراء فلانه مرعى صدقاتهم، وأما الأغنياء فلخيل المجاهدين عنهم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم (لا حمى إلا الله) فمعناه لا حمى إلا أن يقصد به وجه الله، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم