ويشتمل هذا الباب على ثلاثة أحكام تختص بالموات وهي الاحياء والاقطاع والحمى. فأما الاحياء فقد ذكرنا جوازه ومن يجوز له. وأما الاقطاع وهو موضوع الفصل، فإنه لا يصح الا في موات لم يستقر عليه ملك وعلى هذا كان قطائع النبي صلى الله عليه وسلم حين أقطع الزبير ركض فرسه من موات البقيع فأجراه ثم رمى بسوطه رغبة في الزيادة فقال: أعطوه منتهى سوطه، وأما ورود بعض الأخبار فيما أعطاه للزبير من أرض بنى النضير أو من نخل المدينة فقد أوردها البخاري في آخر كتاب الخمس ومعي هذا أنها غنائم زالت عنها يد الكفار وهذه قضية أخرى غير ما أقطعه من أرض البقيع مواتا لاحيائه، وهكذا كانت قطائع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ما كان من شأن تميم الداري وأبى ثعلبة الخشني، فإن تميما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطعه عيون البلد الذي كان منه بالشام قبل فتحه، وأبو ثعلبة سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطعه أرضا كانت بيد الروم فأعجبه الذي قال: ألا تسمعون ما يقول؟ فقال والذي بعثك بالحق لتفتحن عليك، فكتب له كتابا.
فاحتمل ذلك من فعله أن يكون أقطعهما ذلك اقطاع تقليد لا اقطاع تمليك، أو يجوز أن يكونا مخصوصين بذلك لتعلقه بتصديق أخبار وتحقيق احجاز، وأما الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فان أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يقطعا الا مواتا لم يجر عليه ملك، واصطفى عمر رضي الله عنه من أرض السواد أموال كسرى وأهل بيته وما هرب عنه أربابه أو هلكوا فكان يبلغ تسعة آلاف ألف فكان يصرفها في مصالح المسلمين ولم يقطع شيئا، ثم إن عثمان رضي الله عنه أقطعها لأنه رأى اقطاعها أوفى لغلتها من تعطيلها، وشرط على من أقطعها أن يأخذ منه الغنى، فكان ذلك منه اقطاع إجازة لا اقطاع تمليك، وقد توفرت عليه حتى بلغت خمسين ألف ألف، ثم تناقلها الخلفاء بعده فلما كان عام الجماجم سنة اثنين وثمانين وفتنة ابن الأشعث أحرق الديوان وأخذ كل قوم ما يليهم.
فإذا كان اقطاع الامام إنما يختص بالموات دون العامر فالذي يؤثره اقطاع