الامام إنما يختص بالموات دون العامر، فالذي يؤثره إقطاع الامام أن يكون المقطع أولى الناس بإحيائه ممن لم يسبق إلى إحيائه لمكان اذنه وفصل اجتهاده، فلو بادر فأحياها غير المقطع فهي ملك للمحيي دون المقطع. وقال أبو حنيفة:
ان أحياها قبل مضى ثلاث سنوات من وقت الاقطاع فهي للمقطع، وان أحياها بعد ثلاث سنين فهي للمحيي.
وقال مالك بن أنس: ان أحياها عالما بالاقطاع فهي للمقطع، وان أحياها غير عالم بالاقطاع خير المقطع بين أن يعطى المحيى نفقة عمارته وتكون الأرض له، وبين أن يترك عليه الأرض ويأخذ قيمتها قبل العمارة استدلالا برواية معمر عن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع أقواما فجاء آخرون في عهد عمر فأحيوها فقال لهم عمر رضي الله عنه حين فزعوا إليه: تركتموهم يعملون ويأكلون ثم جئتم تغيرون عليهم لولا أنها قطيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطيتكم شيئا، ثم قومها عامرة وقومها غير عامرة، ثم قال لأهل الأصل: ان شئتم فردوا عليهم ما بين ذلك وخذوا أرضكم، وان شئتم ردوا عليكم ثمن أرضكم ثم هي لهم.
ودليلنا على أنها ملك المحيى بكل حال دون المقطع، قوله صلى الله عليه وسلم (من أحيا أرضا مواتا فهي له) ولان الاقطاع لا يوجب التمليك، والاحياء يوجب التمليك، فإذا اجتمعا كان ما أو وجب التمليك أقوى حكما مما لم يوجبه. فأما حديث عمر رضي الله عنه فقد قال في قضيته: لولا أنها قطيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطيتكم شيئا، فدل على أن من رأيه أنها للمحيي، وإنما عدل عن هذا الرأي لما توجه إليها من اقطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره أن يبطله، فاستنزل الخصمين إلى ما قضى به مراضاة لا جبرا.
فإن كان المقطع قد حجرها وجمع ترابها حتى تميزت عن غيرها فجاء غيره فعمرها وحرثها نظر، فإن كان المقطع مقيما على عمارتها حتى تغلب عليها الثاني فعمرها فهي للأول ويكون الثاني متطوعا بعمارته، وإن كان المقطع قد ترك عمارتها فعمرها الثاني فهي للثاني دون الأول، وهكذا لو كان الأول قد بدأ بالعمل من غير اقطاع فهذا حكم الاقطاع.