قال: وقد يكون الاقطاع تمليكا وغير تمليك، وعلى الثاني يحمل إقطاعه صلى الله عليه وسلم. وذكر الخطابي وجها آخر فقال: إنما يحمى من الأراك ما بعد عن حضرة العمارة فلا تبلغه الإبل الرائحة إذا أرسلت في الرعى اه إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز للامام أن يقطع ما لا يجوز إحياؤه من المعادن الظاهرة لان النبي صلى الله عليه وسلم استعاد من أبيض بن حمال ما أقطعه، لأنه وإن كان فيه توسعة على المقطع له إلا أن فيه تضييقا على المسلمين فإذا رأى الامام أن مكانا نائيا عن العمران فيه من المعادن والمواد الأولية ما يدخل في منافع الناس، وهو من المعادن الظاهرة، إلا أن بعد مكانها عن العمران يجعلها في حكم المعادن الباطنة، لان حملها إلى حيث المنتفعون بها عمل يفوق أحيانا مؤنة التنقيب والحفر.
وقد تكون المعادن الظاهرة هي في حقيقتها مركبة من مواد مختلفة يحتاج فصلها بعضها عن بعض إلى مصانع ومعامل كالفوسفات والمنجنيز، وثاني أكسيد الكالسيوم الذي يستخرج من الجير وهو يمثل نسبة عالية في الجير تبلغ النصف منه قدرا ووزنا، ومع ذلك فإن الجير مع احتوائه على ثاني أكسيد الكالسيوم يباع الطن منه بقروش معدودة في حين ان ثاني أكسيد الكالسيوم يباع بالجرام والسبب في ذلك هو نفقات استخلاصه ومؤنة تميزه ومن ثم يجوز للامام أن يقطع المناجم والمحاجر المحتوية على الخامات الظاهرة إذا قصد تصنيعها واستخلاص المواد النافعة الثمينة منها، وذلك يساوى التنقيب عن المعادن الباطنة.
(فرع) مضى كلامنا في أمر كان يده الفقهاء من الاقطاع ويعده المختصون في زماننا هذا باسم الترخيص، وهو إذن السلطان، فإذا أراد أحد التجار أن يشغل الطريق أمامه استأذن الحاكم فمنحه رخصة يتحدد فيها المساحة المأذون في شغلها نظير مكوس يؤديها توقف على تعبيد الطريق وتنظيفها وإنارة الشوارع وصيانتها من الروائح الكريهة والمزابل المؤذية وهي من الأمور التي تناط باجتهاد السلطان وبصره بالأمور ونظره في صلاح رعيته، والله أعلم بالصواب