(والثاني) وهو ظاهر ما نقله المزني: أنه لا يملك إلا بالزراعة لأنها من تمام العمارة، ويخالف السكنى فإنه ليس من تمام العمارة، وإنما هو كالحصاد في الزرع، (والثالث) وهو قول أبى العباس: أنه لا يتم إلا بالزراعة والسقي، لان العمارة لا تكمل إلا بذلك، وإن أراد حفر بئر فإحياؤها أن يحفر إلى أن يصل إلى الماء لأنه لا يحصل البئر الا بذلك، فإن كانت الأرض صلبة تم الاحياء، وإن كانت رخوة لم يتم الاحياء حتى تطوى البئر لأنها لا تكمل الا به، (الشرح) يختلف الاحياء باختلاف المقصود منه، ولما كان الشارع قد أطلق الاحياء لم يحده، ولما كان ليس للاحياء في اللغة حد وجب الرجوع إلى العرف كالحرز والقبض وضابطه تهيئة الشئ لما يقصد منه غالبا، فإن أراد مسكنا نظرت إلى العرف الشائع في المكان الذي يجرى فيه الاحياء سكنا، كتحويطه بالآجر أو اللبن أو القصب على عادة المكان، وقد رأى بعض الأصحاب الاكتفاء بالتحويط من غير بناء لكنه نص في الام على اشتراط البناء.
قال الرملي: وهو المعتمد، والأوجه الرجوع في جميع ذلك إلى العادة، ومن هنا قال المتولي وأقره ابن الرفعة والأذرعي وغيرهما: لو اعتاد نازلو الصحراء تنظيف الموضع من نحو شوك وحج وتسويته لضرب خيمته وبناء معلفه ففعلوا ذلك بقصد التملك ملكوا البقعة، وان ارتحلوا عنها أو بقصد الارتفاق فهم أولى بها إلى الرحلة.
إذا ثبت هذا: فإن تحويط الأرض احياء لها سواء أرادها للبناء أو للزرع أو حظيرة للغنم أو للخشب أو لغير ذلك، هذا مذهبنا ونص عليه أحمد في رواية علي بن سعيد فقال: الاحياء أن يحوط عليها حائطا ويحفر فيها بئرا أو نهرا ولا تعتبر في ذلك تسقيف، وذلك لما روى عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أحاط حائطا على أرض فهي له) رواه أبو داود واحمد، ويروى عن جابر مثله.
وقد نص الامام النووي على عدم اشتراط تعليق الباب لان الباب لا يشترط للسكنى وإنما هو للحفظ والسكنى لا تتوقف عليه. وقد اعتبر القصد في مذهب