مال المسلمين وملكت الدولة التي من حقها أن تكون لها الولاية عليها لعرضها للاعتبار عملا بقوله تعالى (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، كانوا أشد منهم قوة وآثارا في الأرض، وعمروها أكثر مما عمروها) إلى آخر ما ورد في القرآن الكريم من آيات الحث على السياحة والسير إلى الآثار للاعتبار والاتعاظ، كان إحياؤها معلقا بإذن السلطان، بل إن السلطان إذا أحياها بصيانتها وإقامة الحراس عليها وتمهيد طرقها وتيسير سبل الوصول إليها بسبب ما تحويه من تواريخ من كانوا يعمرونها من الدارسين والبائدين كان هذا إحياء لها على هذا النحو، وصارت ملكا عاما لا يختص به أحد، وذلك أصله قوله صلى الله عليه وسلم (عادى الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم منى) والضرب الثاني: ما كان باقي العمارة إلى وقت الاسلام ثم خرب وصار مواتا قبل أن يصير من بلاد الاسلام فهذا على ثلاثة أقسام (أحدهما) أن يرفع أربابه أيديهم عنه قبل القدرة عليه فهذا يملك بالاحياء كالذي لم يزل مواتا (والقسم الثاني) أن يتمسكوا به إلى حين القدرة عليه فهذا يكون في حكم عامرهم لا يملك بالاحياء.
(والقسم الثالث) أن يجهل حاله فلا يعلم هل رفعوا أيديهم عنه قبل القدرة عليه أم لا، ففي جواز تملكه بالاحياء وجهان كالذي جهل حاله من الركاز.
والضرب الثاني: ما كان في الأصل عامرا من بلاد الاسلام ثم خرب حتى ذهبت عمارته، واندرست آثاره، فصار مواتا. فقد اختلف الفقهاء في جواز تملكه بالاحياء على ثلاثة مذاهب، فمذهب الشافعي منها أنه لا يجوز أن يملك بالاحياء سواء عرف أربابه أو لم يعرفوا. وقال أبو حنيفة: إن عرف أربابه فهو على ملكهم لا يملك بالاحياء وإن لم يعرفوا ملك بالاحياء استدلالا بعموم الحديث (من أحيا أرضا مواتا فهي له) وحقيقة الموات ما صار بعد الاحياء مواتا من العامر فزال عن حكم العامر كالجاهلي. ولأنه موات فجاز احياؤه كسائر الموات.
وقال مالك: يصير كالموات الجاهلي يملكه من أحياه سواء عرف أربابه أم لم يعرفوا. ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم (لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفس منه) وهذا مال مسلم. وروى عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحيا أرضا ميتة ليست لاحد فهو أحق بها)