ولان النبي صلى الله عليه قال (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) إشارة إلى إجلائهم حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه من الحجاز، فلما أمر بإزالة أملاكهم الثابتة فأولى أن يمنعوا من أن يستبيحوا أملاكا محدثة، لان استدامة الملك أقوى من الاستحداث، فإذا لم يكن لهم الأقوى فالأضعف أولى، ولان من لم يقر في دار الاسلام الا بجزية منع من الاحياء كالمعاهد، ولان كل ما لم يملكه الكافر قبل عقد الجزية لم يملكه بعد عقد الجزية وأصله نكاح المسلمة. ولأنه نوع تمليك ينافيه كفر الحربي فوجب أن ينافيه كفر الذمي كالإرث من مسلم فأما الجواب عن حديث (من أحيا أرضا مواتا فهي له) فهو أن هذا الخبر وارد في بيان ما يقع به الملك. وقوله (ثم هي لكم) وارد في بيان من يقع له الملك فصار المفسر في كل واحد منهما فيما قصد له قاضيا على صاحبه، فصار الخبران في التقدير كقوله (من أحيا أرضا مواتا من المسلمين فهي له) وأما الجواب عن قياسهم على الصيد والحطب فهو أنه منتقض بالغنيمة حيث لم يستو المسلم والذمي فيها مع كونها أعيانا مباحة، ثم لو سلم من النقض لكان المعنى في الصيد والحطب أن لا ضرر على المسلم فيه إذا أخذه الكافر، وليس كذلك الاحياء. لذلك لم يمنع المعاهد من الاصطياد والاحتطاب وان منع من الاحياء، فكان المعنى الذي فرقوا به في المعاهد بين إحيائه واصطياده (وفرقنا في الذمي بين إحيائه واصطياده، وهو الجواب عن قياسهم الثاني ويكون المعنى في المسلم فضيلته بدينه واستقراره في دار الاسلام بغير حرمة مباينة لصغار الذمة فاستعلى على من خالف الملة.
وأما الجواب عن قياسهم على البيع فهو إنه منتقض بالزكاة لأنها سبب من أسباب التمليك الذي يختص بها المسلم دون الذمي. ولما لم يجز في الاحياء أن يملك به المعاهد لم يملك به الذمي. وقال أحمد بعدم الفرق بين المسلم والذمي وقد مضى الرد على ذلك. والضرب الثاني من الموات ما كان عامرا ثم خرب فصار بالخراب مواتا فذلك ضربان، أحدهما إن كان جاهليا لم يعمر في الاسلام فهذا على ضربين أحدهما أن يكون قد خرب قبل الاسلام حتى صار مواتا مندرسا كأرض عاد وتبع ومدن طيبة ومنف وبابل وآشور وبعلبك فهذه إذا أعلن أيلولتها إلى بيت