أياما لم يلزمه قضاء شئ فاته، وإن لم يكن مفيقا في أول الشهر بل كان مغمى عليه وجب عليه القضاء، على قول بعض أصحابنا منهم السيد المرتضى والشيخ المفيد. وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي: إلى أنه لا قضاء عليه أصلا. وعندي أن الصحيح ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر رضي الله عنه والدليل على صحة قوله أن هذا المغمى عليه غير مكلف بالعبادات، لأن عقله زائل بغير خلاف والخطاب يتوجه إلى العقلاء المكلفين بالصيام وليس هذا بداخل تحت خطابهم. فإن قيل: فهذا مريض ويجب على المريض قضاء ما فاته في حال مرضه لأن الله تعالى قال: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، فأوجب على المريض عدة من أيام أخر بعدد ما فاته فهذا داخل في عموم هذه الآية. قلنا: العموم قد يخص بالأدلة بغير خلاف ومن جملة مخصصات العموم أدلة العقول وقد علمنا بعقولنا أن الله تعالى لا يكلف إلا من أكمل شروط التكليف فيه ومن جملة شروط التكليف كمال العقل، وهذا مثل قوله تعالى: يا أيها الناس اعبدوا ربكم، فعلمنا أن الأمر بالعبادة في الآية متوجه إلى العقلاء دون الصبيان والمجانين وإن كانا داخلين في عموم الآية لأنهما من جملة الناس.
والمريض على ضربين: مريض يكون مرضه قد أزال عقله، ومريض يكون مرضه غير مزيل لعقله، فهذا هو المخاطب في الآية بالقضاء دون الأول وخصصنا الأول بالدليل العقلي.
واحتج شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله على صحة ما ذهب إليه من سقوط القضاء عنه بأن قال في مبسوطه: وعندي لا قضاء عليه أصلا لأن نيته المتقدمة كافية في هذا الباب وإنما يجب ذلك على مذهب من راعى تعيين النية أو مقارنة النية التي هي القربة ولسنا نراعي ذلك.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وهذا لا حاجة بنا إليه لأنه غير واضح وإلا يحسم للشغب ما استدللنا به لأنه لا اعتراض عليه ولا استدراك فيه ولا طريق للخصم بالطعن إليه، وهب أنا ألزمنا تعيين النية أو مقارنة النية أي شئ كان يلزمنا على استدلالنا نحن، فأما على استدلال شيخنا فيتجه عليه إلزام الخصم بوجوب القضاء لأنه لا يخلو إما أن يلتزم بأنه مكلف عاقل أعني المغمى عليه، أو لا يلتزم بأنه مكلف بالصيام فإن التزم بأنه مكلف عاقل فإنه يحتاج إلى ما قال وإن لم يلتزم بأنه مكلف بالصوم فلا حاجة به إلى ما قال رحمه الله.