فتحصل من تلك المقدمات التي فصلناها في محله أن لدليل المتزاحمين اطلاقا يشمل حال التزاحم من غير تقييد، وإنما يحكم العقل بلزوم الأخذ بالأهم وترك المهم مع كونه مأمورا به، فيكون المكلف بحكم العقل معذورا في ترك التكليف الفعلي بالاشتغال بالأهم ومع ترك الأهم والآتيان بالمهم أتى بالمأمور به ويثاب عليه، ولم يكن معذورا في ترك الأهم فيستحق العقوبة على تركه، ومع تركهما يستحق العقوبة عليهما لتركه كلا من التكليفين المقدورين بلا عذر والتفصيل يطلب من محله.
ثم إن الصحة لا تتوقف على تصوير الأمر بل تصح العبادة مع عدمه، بل لا يبعد القول بها مع الالتزام بكون الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده لعدم اقتضاء النهي الغيري الفساد، وكيف كان لا اشكال في صحة الوضوء مع الابتلاء بالمزاحم.
هذا كله حال تلك المسائل من ناحية حكم العقل وأما حالها بالنظر إلى الأدلة النقلية فلا بد لبيانها من افراز بعض المسائل التي وردت فيها النصوص:
المسألة الأولى: الأقرب بطلان الوضوء والغسل في الموارد التي سقطا بدليل العسر والحرج، والدليل عليه التعليل المستفاد من الآية الكريمة الواردة في الصوم قال تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى و الفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر والمحتمل بحسب التصور أن يكون مفادها حرمة صوم المريض والمسافر لجهة إرادة اليسر أو لجهة عدم إرادة العسر وأن يكون ابقاء اليسر وعدم هدمه واجبا، لا عنوان الصوم العسير أو لجهة عدم أرادا العسر وأن يكون ابقاء اليسر وعدم هدمه واجبا، لا عنوان الصوم العسير حراما وأن يكون ايقاع العسر على النفس حراما بعنوانه، فعلى الاحتمالين الأخيرين لا يلزم بطلان الصوم لما مر من عدم بطلان العبادة المتحدة مع عنوان محرم، وكذا إذا كانت العبادة ضد الواجب، وعلى الاحتمال الأول يقع باطلا لتعلق الحرمة بنفس العبادة، وهنا بعض احتمالات أخر منفي بما يأتي.
والأقرب من بينها هو الاحتمال الأول، أما لمفهوم قوله: " فمن شهد منكم