ثم إنه يجب التنبيه على أمور:
الأول: قد عرفت أن خبر السكوني ليس بصدد ايجاب الطلب بل بصدد بيان مقداره، فيكون ايجابه بحكم العقل ودلالة الآية كما مر، وقد مر أن حكم العقل بوجوبه لتحصيل المطلوب المطلق إنما هو في جميع الوقت، وفي كل جهة محتملة إلى حد اليأس ففي كل جهة يحتمل وجود الماء يحكم بالفحص إلى اليأس لولا دليل على عدم لزومه وقد دلت رواية السكوني على تقدير الفحص بغلوة أو غلوتين لا أزيد، فالرواية في مقام تقدير ما وجب عقلا، فالرواية مع حكم العقل دالة على لزوم الفحص في الجهات إلى الحد المذكور فيها والمراد من الجهات الأربع ليس الخطوط المتقابلة، بل كل جهة هي ربع الدائرة، فلا بد من الفحص في جميع سطح الأرض في الجهات، فيكون محل المصلي كالمركز الذي تحيط به دائرة قطرها، غلوة أو غلوتين، ويجب الفحص في جميع تلك الدائرة أي السطح المحاط بالخط الموهوم، وهذا هو المراد من النص والفتوى.
الثاني: الحزونة والسهولة الواردتان في رواية السكوني يحتمل أن تكونا بمعنى ما غلظ من الأرض وضده، بأن يكون عنوان الأرض مأخوذا في مفهومهما كما يظهر من بعض تعبيرات اللغويين، ففي الصحاح: السهل نقيض الجبل، والحزن ما غلظ من الأرض.
وعن الأصمعي: الحزن الجبال الغلاظ ويحتمل أن تكونا بمعنى الغلظة وضدها من غير اعتبار الأرض فيهما، وإنما نسبتا إليها، وقيل السهل من الأرض والحزن منها كما يظهر من بعض تعبيراتهم، ففي الصحاح بعد قوله: والحزن ما غلظ من الأرض قال: و فيها حزونة، يظهر منه أن الحزونة الغلظة، ويقال في الأرض حزونة أي غلظة.
وفي المنجد: حزن يحزن حزونة المكان صار حزنا أي غليظا، وهو كصريح في أن الحزن هو نفس الغلظة، لا ما غلظ من الأرض، وإن قال بعده: الحزن ما غلظ من الأرض، ولا يبعد أن يكون الاحتمال الثاني أرجح فيقال: أرض سهلة وحزنة، ورجل سهل الخلق