يطول شرحها فكما ان الطبيعة للأجسام على وجه التسخير ربما شوقت إلى ما ليس بتمام للجسم الطبيعي لعلل تحدث وآفات تطرء عليه بمنزله من يشتاق إلى اكل الطين وما جرى مجراه مما لا يكمل طبيعة الجسد بل يهدمه ويفسده كذلك أيضا النفس الناطقة ربما اشتاقت إلى علم وتميز لا يكمله ولا يسوقه نحو سعادته بل يحركه ويسوقه إلى الأشياء التي تعوقه وتقصر به عن كماله.
فحينئذ يحتاج إلى معالجة نفسانية يرشده إليها طبيب روحاني من نبي هاد أو شيخ مرشد أو أستاذ معلم كما احتاج في الحالة الأولى إلى طبيب جسماني يرشده إلى طبيب طبيعي ولذلك يكثر حاجات الناس إلى الأنبياء ع والمعلمين والمؤدبين فان وجود تلك الطبايع الفائقة التي يستكفى بذاتها من غير توفيق إلى السعادة الحقيقية نادر لا يقع الا في الأزمنة الطوال والمدة البعيدة.
فإذا وقع أحد منها كان وجوده بمحض موهبة الله عز وجل لأسباب سفليه و تعملات إرادية وترقيات كسبية فكان زيت نفسه في فتيلة طبيعية تكاد تضئ ولو لم تمسسه نار التأديب والفكر والرياضة وكان نور الله في ظلمات الأرض وآية عظيمه من آياته كما قال تعالى قد جائكم من الله نور وكتاب مبين ونحن بصدد اثباته بالبرهان فيما بعد أن شاء الله.
وغرضنا في هذا الفصل الإشارة إلى أن الوجود كله من أعلاه إلى أسفله ومن أسفله إلى أعلاه في رباط واحد مرتبط به بعضه إلى بعض متصل بعضه ببعض والكل مع كثرتها الخارجية متحدة واتحادها ليس كاتصال الأجسام بان يتصل نهاياتها ويتلاقى سطوحها والعالم كله حيوان واحد بل كنفس واحده وقواه الفعالة كالعقول والنفوس وغيرهما كقوى نفس واحده فان قوى النفس عند البصير المحقق متحدة الكثرة لا كما رآه قوم انها آلات النفس متباينة الوجود متفاضلة الذوات ولا كما رآه قوم آخرون من أنها واحد الذات كثيره المواضع والآثار وسيأتي تحقيق ذلك في علم النفس.