فيه قوه الغضب الذي ينهض بها إلى دفع ما يؤذيها فيعطى من السلاح بحسب قوتها فان كانت قوته الغضبية شديده كان سلاحه قويا وان كانت ناقصة كان ناقصا وان كانت ضعيفه جدا لم يعط سلاحا البتة بل يعطى آله الهرب فقط كشدة العدو والقدرة على الحيل التي تنجيه من مخاوفه.
وأنت ترى ذلك عيانا من الحيوان الذي اعطى القرون التي تجرى مجرى الرماح والذي اعطى آله الرمي تجرى مجرى النبل والنشاب الذي اعطى الأنياب والمخاليب التي تجرى مجرى السكاكين والخناجر والذي اعطى الحوافر التي تجرى مجرى الدبوس والطبر واما ما لم يعط سلاحا لضعفه عن استعماله أو لقلة شجاعته و نقصان قوه غضبه ولأنه لو أعطيه لصار كلا عليه فقد اعطى آله الهرب والحيل بجوده العدو والخفة وقوه الطيران كالغزلان والحيتان والطيور أو المراوغة كالأرانب والثعالب وأشباهها وإذا تصفحت أحوال الموجودات من السباع والوحوش والطيور رأيت هذه الحكمة مستمرة فيها.
فاما الانسان فقد عوض عن هذه الآلات كلها بان هدى إلى اتخاذها واستعمالها كلها وسخرت له هذه كلها وسنتكلم في ذلك في موضعه الخاص فنعود إلى ذكر مراتب الحيوان فنقول ان ما اهتدى منها إلى الازدواج وطلب النسل وحفظه وتربيته والاشفاق عليه بالكن والعش والكناس كما نشاهد فيما يلد ويبيض وتغذيته اما باللبن واما بنقل الغذاء إليه فإنه أفضل مما لا يهتدى إلى شئ ثم لا يزال هذه الأحوال تتزائد في الحيوان حتى يقرب من أفق الانسان فحينئذ يقبل التأديب ويصير بقبوله الأدب ذا فضيلة يتميز بها من سائر الحيوانات الاخر ثم تتزائد هذه الفضيلة في الحيوانات حتى يتشرف بها ضروب أشرف كالفرس المؤدب والبازي المعلم والكلب المفهم ثم يصير في هذه المترتبة إلى مرتبه الحيوان الذي يحاكي الانسان من تلقاء نفسه ويتشبه به من غير تعليم وتأديب كالقردة وما أشبهها وتبلغ من كمال ذكائها إلى أن يكتفى في التأديب بان يرى الانسان