وانما تلك العقليات جهات قيوميته وتكثرات فيضه وجوده من غير اختصاص له بواحد دون واحد ولهذا فرق بين نسبته إلى الأشياء ونسبه سائر العلل إلى معاليلها بان كلا منها يلزم معلوله بخصوصه لا يتعداه والباري لا يلزم شيئا من أنواع العقليات والحسيات بخصوصه بل هو الناظم للكل والممسك لرباطها عن الانفصام والحافظ لها عن الفناء على تفاوت مقاماتها في الوجود والبقاء حيث إن العقليات المحضة تبقى ببقاء الذات الأحدية والحسيات انما تبقى بتلاحق الأمثال والأشباه وبقاء التدرج في الحدوث وتشابك العدم بالوجود.
فقوله انما قوامها ودوامها بالكون والتناسل أراد بالكون الوجود التدريجي على نعت الاتصال كما في الفلكيات وبالتناسل التعاقب في الكون على نهج الانفصال كما في العنصريات من الطبايع المنتشره الشخصيات مثل أنواع الحيوان والنبات.
وقال أيضا في الميمر العاشر من كتاب الربوبية لما ابتدعت الهوية الأولى من الواحد الحق وقفت وألقت بصرها على الواحد ليراه فصارت حينئذ عقلا فلما صارت الهوية الأولى المبتدعة عقلا صارت يحكى أفاعيلها للواحد الحق لأنها لما ألقت بصرها عليه ورأته على قدر قوتها وصارت عقلا أفاض عليها الواحد الحق قوى كثيره عظيمه فلما صار العقل ذا قوة عظيمه أبدع صوره النفس من غير أن يتحرك تشبها بالواحد الحق.
وذلك أن العقل أبدعه الواحد الحق وهو ساكن فكذلك النفس أبدعها العقل وهو ساكن أيضا لا يتحرك غير أن الواحد الحق أبدع هويه العقل وأبدع العقل صوره النفس في الهوية التي ابتدعت من الواحد الحق بتوسط هويه العقل.
واما النفس فلما كانت معلوله من معلول لم يقو على أن يعقل فعلها بغير حركه وهي ساكنه بل فعليته بحركة وأبدعت صنما ما وانما يسمى صنما لأنه فعل داثر غير ثابت ولا باق لأنه كان بحركة وحركه لا تأتي بالشئ الثابت الباقي بل انما تأتي بالشئ الداثر والا كان فعلها أكرم منها إذ كان المفعول ثابتا قائما والفاعل داثرا بائدا